سموم الكلمات

يقول مثلٌ انكليزي ما يجوز ترجمته الى العربية بما يلي: إذا كان هكذا سلوك الأصدقاء وتعاملهم معنا فمن يحتاج إلى الأعداء؟

***

وهذا بالضبط ما شعرتُ به عندما التقينا بعد فراق طويل. وكانت، حتى الأمس، صديقة.

واقتربتُ أرحّبُ بها، وأعبّر لها عن شوقي اليها، وعن شعوري في خلال غيابها.

لكنها أخرجت تلك الإبرة السامّة، من طرف لسانها، وقالت بسخرية: إذن لا زلت تكتبين!..

***

ولماذا شعرتُ بأنها، في تلك اللحظة تحوّلت الى أفعى، وتنفث سمَّها في وجهي.

وأنا التي كانت لي صراعات متعدّدة مع الناس والحياة، ولم تكن دائماً مرضية؛ فلماذا تأثَّرتُ بكلماتها الى تلك الدرجة؟

أوَ لأني أعتبر الكلمة مثل السلاح، وتجرح في بعض الأوقات؟!

أم لأني فوجئت، ولم أكن مستعدّة لتلقّي تلك الصفعة؟!

***

وتذكرتُ قولاً لحكيم هندي جاء فيه: إذا واجهتَ موقفاّ سلبياً من أحدهم، فمن الأفضل أن تتجاهله كي تحمي نفسَك وروحَك.

***

لكن الروح كانت ضعيفة في تلك المواجهة، وهكذا تمكّنتْ إبرةُ السمّ من الولوج وترك أثرها.

في تلك الليلة، وعندما لجأت الى النوم، عادت الكلمات تؤرّقني، وأنا أحاول أن أجد تفسيراً يبرَّر ذلك الهجوم.

***

ولم ينفعني أن أعود الى ذاتي، كي أحاول فهم ما جرى، أو أنسى كلاماً سمعتُه، إذ كان قد اخترق الكيان ودفعني الى حافة الدمع، لأن الصداقة في حسابي، علاقة ثمينة نختارها، ولا تفرضها قرابةٌ أو نسب.

***

ثم حاولتُ تجاوز الحدث، لأني عوّدت نفسي على النظر الى الوجه الإيجابي والمشرق من الوجود. وكنت دائماً، أقابل الإساءة بالغفران.

***

وفي بعض تفسير لما جرى، عادت إليّ عبارة تركتْها إحدى الكاتبات في سمعي: الصداقة تنتهي...

وأنا لا أشاء أن أصدّق... صحيح اني لم أعد طفلة أو مراهقة تتأثّر بموقف الآخرين منها، أو بملاحظاتهم، سلباً أو إيجاباً.

إنما لكل امرئٍ لحظات إخفاق، كما له لحظات التجلّي.

وفي كلا الحالين يبرز وجهٌ مختلف وهو وجهه، من دون شك، انما يتحوّل بفعل التجاذب او التهجُّم، ولا يعود ضمن إطار السلطة المحكومة بالعقل والإرادة.

***

وعندما شكوتُ للجارة تصرّف صديقتنا المشتركة قالت:

أوَ لم تسمعي بالغيرة؟

وعادت تُذكّرني بمثَلٍ انكليزي آخر وترجمتُه: إن العشبَ يبدو أكثرَ نضارة في حدائق الجيران.

***

وما أكتبه ليس سوى أثر من آثار الخيبة التي تُصيبنا في أحوال مشابهة، أو في ظروف ليس لنا عليها أيّ سلطة. ويمرّ بها معظم الناس، ويتأثّرون، ما عدا تلك الفئة التي تسعى على دروب السموّ الروحي، وتحارب، في كل لحظة من وجودها، الآثار السلبية التي تتسلّط على بني البشر.

***

والآن، تلك الصديقة تتصل بي، تلفونياً، وتطلب موعداً للزيارة، فهل أستقبلها، وأنسى الإساءة وما جرى بالأمس؟

أم أترك لسموم الثأر أن تتحكّم بسلوكي؟