لو سمعت فرجينيا وولف أو سيمون دي بوفوار أو مارغريت ميتشيل أو إيزابيل اللندي أو سواهن ممن عرفت البشرية إبداعاتهن، لو سمعن بمصطلح «الأدب النسوي» الذي يتم تداوله هذه الأيام بالمجان، لأحسسن بالندم على ما هدرن من أعمارهن في الكتابة الإبداعية التي انتشرت وترجمت إلى لغات العالم من دون الاستعانة بالكوتات أو الوسطاء الذين يأخذون على عاتقهم مهام ترويج «الأعمال النسوية» تحت غطاء خدمة المرأة، ومن أجل عيونها!
أعرف أن غالبية الكاتبات العربيات لا يرغبن في هذا الفرز المتعسف حتى لو شاركن في الورشات أو الندوات التي تخصص للحديث عنه!!
أعرف أيضا أنهن لا يتعاملن مع الأدب مثلما الملابس (الرجالية والستاتية)، وقد قرأت وسمعت على ألسنتهن الكثير من عبارات الرفض الصريح لهذا التصنيف الذي يقلل من شأنهن، ويضعهن في مصاف الفئات المستضعفة في المجتمع، تلك التي تحتاج إلى من يأخذ بيدها ويعينها على أداء رسالتها أو يفتح الأبواب المغلقة أمامها، لكن على الرغم من ذلك، فثمة متطوعون ومتعهدون عربًا، يعملون على مأسسة الوهم وتعميمه، ومنحه صفة الفتوحات النقدية!
إنهم يُمأسسون الخرافة، ويعملون بدأب على وضع ركائز وقوانين ومعايير خاصة بها، ومن يدري، فقد يأتي يوم يفرّخ الوهم فيه وهمًا آخر يقضي بإعداد الدراسات وعقد الندوات وورشات العمل التي تميز بين الفن التشكيلي الأنثوي والذكوري، أو بين أدب النساء، وأدب الآنسات، وأدب الحرائر أو فتيات السن الذهبي، ذلك لأن تجربة المتزوجات تختلف عن غير المتزوجات، كما أن الآنسات لا يمتلكن عواطف الأمومة التي تنسكب من الأمهات، كما لم يعشن أحاسيس المتزوجات، ولا غيرتهن على أزواجهن: ألم يستند وكلاء الأدب النسوي في كثير مما يكتبون، إلى الاختلاف التجاربي والحسي والنفسي، وانعكاساته في أدب الرجل وأدب المرأة؟
إن الترويج لتقليعة الأدب النسوي ليس سوى إفساد لجماليات اتصال هذا الأدب وتواصله مع ما هو عام، وهو إلى ذلك، محاولة - قد تكون حسنة النية، وقد لا تكون - للحيلولة دون انصهاره فيه؛ لأنه يعمد إلى اشتقاق مساحات وشقوق وتمايزات وهمية في الكتلة الواحدة المتجانسة! إنه أشبه بالدعوة إلى تخصيص آلات موسيقية للمرأة وأخرى للرجل، بسبب تعذر إمكانية الاستماع إلى أوركسترا الحياة، من دون الفصل الأدواتي والأدائي بين الجنسين، فما للرجل للرجل وما للمرأة للمرأة، وكأننا أمام حالة فرز بيولوجي يرمي إلى تعداد الاختلافات العضوية بين المرأة والرجل، وتأثير تلك الاختلافات على الأداء الإبداعي لكل منهما! إنه سوء استخدام للنقد، ولمنصاته.
وبالطبع، فثمة من سيثابرون على عقد حلقات البحث وإفراد الدراسات المعمقة المتخصصة في الأدب النسوي، وماهياته، ومستقبله، وسيبررون مثابرتهم وحماستهم هذه، عن طريق الاستشهاد بوجود «كوتات» نسائية في مجالس النواب، وبوجود اتحادات وتجمعات ولجان للمرأة.. وسيكون هذا آخر خبر عن آخر تطورات ما بعد الاستغفال، ذلك لأن التشكيلات ذات الصبغة الحقوقية أو التمثيلية التي تخص عامة النساء، لا تنطبق على ما يخص خاصة المبدعات اللواتي يضطلعن بأدوار ريادية، تعليلية، تنويرية، وأحيانًا تثويرية، في إطار البناء الثقافي العابر للأنواع، الذي لا يميز – ويجب ألا يميز - بين ما يصدر عن المرأة، وبين ما يصدر عن الرجل من إبداعات أدبية أوفنية أو فكرية إلا من حيث الجودة والتفوق.