فلنتعلم من أحزاننا

لست من هواة الحزن، وأتمنى لنفسي ولكل الناس أن نعيش في سعادة، وننعم بالأمان النفسي، ونتناسى الحزن الذي يعشش في قلوبنا. وأول الطريق لنسيان الحزن أن نتعلم من أحزاننا، ونعرف الأسباب التي أوصلتها إلينا، فلماذا نعيش في غم ونحكم على ساعتنا بالهم؟ لماذا نجعل اليأس يمتلكنا، والآهة تسكن قلوبنا؟ لماذا نرتدي نظارة التشاؤم في حين أن الكون من حولنا يشع بنور الشمس، ويضيء بنور القمر، ويغرد ويسبّح لرب العباد؟ ولماذا لا نصمد أمام أحزاننا؟ ولماذا نمنح كل همنا للدنيا ونحن نعلم أنها دار ممر وامتحان، فلِمَ لا نعيشها بكل حب وعطاء، ونحن متيقنون بأنه بعد رحيلنا لن نترك غير الذكرى الجميلة؟

فدعونا نفكر بكل صدق وأمانة وموضوعية؛ ما هي أحزاننا؟ وما الذي يشغل بالنا ويجعلنا لا نتحرك إلا في نطاق ما نشعر به من هموم؟ وما تفسيرنا وتقييمنا لها؟ فالهموم متنوعة ومتشعبة، وما أعتبره همًّا قد لا يعتبره غيري كذلك، ولو صنفنا همومنا فسنجدها مع الأسف في معظمها همومًا دنيوية؛ تنحصر إما في إيجاد وظيفة، أو السعي في طلب الرزق، أو هموم الأبناء، أو المستقبل، أو امتلاك منزل أو سيارة، أو تسديد ديون، ومن جانب آخر هناك هموم مستمرة، وهموم طارئة؛ كالإصابة بالمرض أو فقدان عزيز.

 علينا أن نواجه أنفسنا؛ ما هو رقم واحد في أولويات همومنا؛ لأننا من الطبيعي كبشر لدينا الكثير منها، لكنّ هناك همًّا واحدًا يسيطر أكثر من غيره على كياننا ويؤرقنا في الليل والنهار، وفي البداية لو تمكنا من تحديده فعلينا أن نرضى بما قسمه الله لنا، فإن الرضا بما حملته الأقدار يساعدنا على الشعور بالقناعة بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن نتذكر حديث الرسول عليه الصلاة والسلام «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ» متفق عليه. فلا ننظر لمن هم أعلى منا في أمور الدنيا، لنحمد الله على نعمه الكثيرة، ويمنحنا ذلك الإحساس بأننا أفضل حالاً من كثيرين حولنا، فننعم بالطمأنينة والراحة النفسية، ويساعدنا على تقبل الأمر دون تذمر، وبكل رضا، وندرب أنفسنا كيف نواجه مشاكلنا ولا نهرب منها، وأن نطرح الحلول المناسبة لها، ونشارك أهل الرأي والمشورة ممن نثق بهم لمساعدتنا، ولا ننسى أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، ولن نتمكن من كسب رضا جميع من حولنا، لكن علينا أن نبذل الجهد بكسب قلوبهم بأخلاقنا وتصرفاتنا، ونعاملهم بكل ود وإنصاف؛ حتى نشعر بالراحة حين نؤدي ما علينا من واجبات ومسؤوليات في حدود قدراتنا، ولنبادر بالتسامح؛ لنحافظ على نقاء وطهارة قلوبنا من الحقد والغل لكل من أساء لنا، ونثق بأن الله سبحانه يرانا ولا نراه. يعلم بخفايا نفوسنا. ويجيب دعوة المضطر إذا دعاه. لحظتها سيمنحنا القوي العزيز القوة التي تشعرنا بالسعادة وتبعد عنا شبح الأحزان.

 

أنين الحزن:

نحب الحزن لدرجة أننا نذهب إلى العزاء بدون دعوة، ولا نذهب إلى الفرح إلا بدعوة.