في كل مرة أكتب مقالة أميل إلى المقالات القصيرة.. وأكتفي بأن أوصل إلى القارئ نصف ما أقصد.. والنصف الآخر سيكشفه هو لاحقا.. فالمقالات القصيرة «مهضومة» أكثر.. وعليها إقبال.. وفيها الكثير من الحكمة.. وأكثر رشاقة.. لا تكلف وقتا.. لكن تكلف فكرا يبذل فيها.
منذ سنوات طويلة وأنا أكتب (مهنة وهواية).. ضالتي الحكمة.. إن وجدتها فـأنا والقارئ أولى الناس بها.. المهنة علَّمتني أن المطولات لا يقرؤها أحد.. وأن المعروض من الكلام يفوق حجم الطلب من القارئ.. الناس لا تريد وليمة من الكلمات.. وإنما «كلمات ليست كالكلمات» مع خدمة توصيل.. الناس لم يعد لديها وقت لأن تأكل.. فابتكرت الوجبات السريعة.. فهل لديها الوقت لكي تقرأ.. لذلك لم يتبق أمام الصحف والمجلات إلا أن ترسل كتب شكر وشهادات تقدير للقراء الأوفياء الذين يقرؤون موضوعا كاملا.
والهواية علَّمتني أن أكتب على طريقة نزار قباني.. أن آخذ الكلمات الطويلة من أفواه الناس.. وأُعيدها كلمات قصيرة لآذان وعيون الناس..
فالناس تحب الأغاني الطويلة لأم كلثوم.. ولكنها تفضل الأغاني القصيرة لشادية..
الناس تحب الملابس الطويلة.. ولكنها تتبع الموضة القصيرة..
الناس تسمع الكلام الطويل.. ولكنها لا تحفظ إلا الكلمات القصيرة..
الأكاذيب طويلة مملة.. أما الحقائق فهي قصيرة.
الصحف الرصينة والمبدعة والمهمة لا تمنح كتّابها إلا القليل من الكلمات.. لقناعتها بأن تحاسبهم بالكلمة.. فزبد الكلمات الرتيبة يذهب جفاء.. وما ينفع الناس يمكث في الكلمات القليلة.. لذلك اعذروني فلن أكتب المطولات وأكتفي ببضع كلمات لا تشبه الكلمات.. لأنني منذ البداية آمنت بأن الكتابة عمل انقلابي.. وأي عمل انقلابي لا يحدث دويًّا هو نوع من أنواع العبث الطفولي عل طريقة الكتابة على الجدران.. وأزعم أن الكتابة على الجدران ربما تكون أكثر تأثيرا.. فهي في أسوأ الأحوال توصل رسالة.. وربما تعبر عن حالة حب.. مثل حالة نزار قباني:
علمني حبك أن أتصرف كالصبيان..
علمني حبك أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان..
فكانت الكتابة على الحيطان رسالة راقية.. ولكن ليس كل الكتابات كذلك..
من البداية آمنت بأن الكتابة هي حرب استنزاف.. وقلة هم الذين يمتلكون عتادا يكفي للاستنزاف والنزف اليومي..
منذ البداية آمنت بأن الكتابة هي عبارة عن خلطة سرية.. أشبه ما تكون بخلطة «كنتاكي».. لا يعرفها إلا الراسخون في علم النكهة..
لذلك كنت ومازلت أكتب بوحي في كل ذلك.. فقُدت أول انقلاب في حياتي أطحت من خلاله بكل وسائل الكتابة الرتيبة وأعلنت البيان رقم واحد!
كنت ومازلت أطارد الكتابة غير المألوفة.. واللغة غير المألوفة.. لأنني رفضت منذ البداية أن أسجل تواقيعي كما يسجل موظف الصادر والوارد تواقيع.. فالتواقيع هي البصمات.. والبصمات لا تتشابه.. لذلك لا أريد لتواقيعي وبصماتي أن تشبه أحدا.. إلا إذا كان هذا الأحد هو أنا.
شعلانيات
* هذا الرجل رومانسي جدا كان قبل الزواج زبونا دائما لمحلات الورد.. وأصبح اليوم زبونا عند بائع الخضار.. ولكنه لا يضع الخضرة على شكل بوكيه!!
* إذا كانت كل دول العالم مدينة.. فمن هو الدائن إذن؟!
* ما الفرق بين من يريد أن يحلم بأن يكون لديه مليون.. وبخيل لديه مليون لا يصرفه؟!
* يمكن للعالم الواسع أن يكون مكانا ضيقا لرجل صادق!!