لحظة ضعف

لم يغمض لي جفن الليلة. تدهور حال البنت شغلني. تحتاج إلى دواء. لكن ما باليد حيلة. ديوننا كثيرة، وراتبه لم يعد يغطي حتى ضرورياتنا. منذ أيام وأنا أخبيء الفواتير، وأنتظر فرجًا لا يأتي.

ضرب بالباب خلفه. لمست وجنتي البنت الحارقتين، وقمت إلى النافذة أطل عليه. سلم على صاحبة البناية الجالسة عند الباب. وضعت قطتها أرضًا، وقامت تذكره بالإيجار الذي تنتظره منذ خمسة أيام.

طلب منها أن تصبر عليه، وهددته بأنها سترمينا خارجًا إن لم تقبض فلوسها في اليومين القادمين.

وعدها خيرًا، وبقيت ترمقه بحنق وهو يهرول هاربًا منها. ماءت قطتها السمينة، وتمسحت بذيل ثوبها، وانحنت تأخذها في حضنها بحنان بالغ.

رفعت عينيها والتقت نظراتنا، ومدت شفتيها بامتعاض متجاهلة تحيتي الخجول.

لا ينقصها خير. تعيش وحدها في بحبوحة يسمح لها بها الدخل المحترم الذي يدره عليها إيجار شقق البناية، ومعاش زوجها المتوفى.

تقلب القط مسرورًا في حضنها، ولمست مخالبه صف العقود الثقيلة التي تزين صدرها، وضحكت وهي تنهره بحنان، وتقبل فروته اللامعة. دخلت إلى شقتها، ولمع على الممر، حيث كانت تقف، شيء خمنت كنهه في لحظة خاطفة.

أحد عقودها الذهبية.

وقع دون أن تنتبه إليه.

خفق قلبي، وأنا أفكر في الأبواب التي سيفتحها لي إن حصلت عليه. تسديد الفواتير المستعجلة، أخذ البنت للمستشفى، شراء ما يكفي من الطعام...

التفت إلى ابنتي. نظرت إلى العقد. وتنفست بعمق.

نزلت السلالم بعجلة. قلبي يدق، وجسمي يرتجف. هل سأجرؤ؟ لم يسبق لي أن مددت يدي إلى أغراض غيري.

كرسي العجوز فارغ، وباب شقتها مشرع. حثثت خطاي نحو الممر. العقد يلمع في مكانه. كمشة صفار براقة. انحنيت بعجلة، وخطفته، ودسست يدي المرتجفة في جيب ثوبي المنزلي الخفيف. صرخت المرأة فجأة داخل شقتها، وقفزت من مكاني، وكأن عقربًا لسعني.

«النجدة، الحقوني...»

جريت إليها. كانت تحاول إطفاء نار موقدها التي اشتعلت في جانب من ستارة النافذة القريبة. «الهر... عبث بالستارة...» حاولت أن تشرح لي، ملأت آنية بالماء، وصببتها على النار، ونالني من البلل ما لفت انتباهها حينما انتهيت من المهمة.

«دعيني أجففك... ماذا؟ ما هذا؟»

سحبت عقدها الذي تدلى نصفه خارج جيبي. تفقدت صدرها، فتحت فمها، وصرخت بأعلى صوتها: «النجدة... الحقوني...»

حملقت فيها برعب، ودارت الدنيا من حولي.

لم تكن ثمة فائدة من الكلام.