لنرحم أعصابنا

تُرى.. لماذا أصبحت أعصابنا تنفلت على أي مشكلة.. حتى لو كانت بسيطة نحولها لأزمة؟ لماذا تراجع مستوى الحوار الهادئ بيننا وبات الصوت العالي هو لغة الحوار؟ لماذا هبط مستوى تفاهمنا، ومناقشاتنا، وتحولت حواراتنا للتراشق بعبارات تخترق آذاننا، وتدمي قلوبنا؟ فهل تكون عصبيتنا بسبب ضغوط الحياة، وسيطرة عالم الماديات، أم بسبب القهر، والرغبة بالتنفيس؟ أم بسبب عدم قدرتنا على توفير مستلزماتنا، ومتطلباتنا وعجزنا عن تحقيق طموحاتنا؟ أم ترى.. يكون بسبب الزحام الذي يجثم على أنفاسنا، ويحاصرنا في كل مكان إلى درجة أن أصبح كل منَّا لا يحتمل الآخر؟ أم أنَّ كثرة تعرضنا للضوضاء أدى إلى تضييق الأوعية الدمويَّة؟ فالزيادة في مستوى الإثارة الفرديَّة تعمل على زيادة السلوك العدواني! أم يكون بسبب ثورة الإعلام التي تتحفنا كل ثانية بالكوارث، والمصائب التي سببت لنا الاكتئاب، والهم، والغم؟ أم بسبب تخلي كل من الأسرة والمدرسة عن دورهما في التربية؟ أيًا كانت الأسباب فإنَّ أهمها هو البعد عن تعاليم ديننا، بعدًا جعل الخلافات تنتشر بسرعة، فديننا دين رحمة، وحب، وتسامح، وعفو، دين ينادي بالصبر والتحمل، ويأمرنا بأن ينال كل إنسان حقوقه دون مماطلة، وأن يؤدي كل منَّا واجباته دون تسويف، لكن المشكلة تكمن في عدم قدرتنا على فهم أنفسنا، وبالتالي فقدنا قدرتنا على التكيف مع الأوضاع المتغيرة، وغالبًا ما يكون الغضب هو المؤشر على إخفاقنا في التكيّف مع البيئة، والظروف المحيطة بنا، مما ألحق بنا الضرر بدلاً من أن يخفّف عنا ويجعلنا نميل إلى منازلة أقرب الناس إلينا، ونصل إلى حدّ النزاع وفقدان السيطرة، وتصبح ردود أفعالنا ثائرة، وانفعاليَّة، وأحيانًا ناقمة لنحاول استعادة توازننا! علينا أن نعود إلى أسلوب الحوار المنطقي والهادئ، ونخرج من حالة التمزق والتشتت، ونتحرر من الحلقة المفرغة والمفزعة؛ حتى لا تتشتت عقولنا، وتضطرب مشاعرنا، وتتضارب أحاسيسنا، فما أجمل الحياة التي نصنعها بذواتنا، ولا نرمي بأخطائنا على الآخرين، ونمسك أعصابنا، ونضبط أنفسنا، ونقيس أحكامنا بما لدينا من إدراك ووعي؛ لأنَّ ما نفعله وما نقوله سنكون نحن مسؤولين عنه، وإذا فشلنا فإنَّ فشلنا قد يجعلنا نتوجه اتجاهًا آخر لا نأمن عواقبه؛‏ لذا قال بعض الحكماء‏:‏ «أغضب الرجل أو المرأة تسبر حقيقة أخلاقيات كل منهما»، نحن في هذه المرحلة نحتاج إلى ميزان دقيق وعادل، ميزان يحدد الأولويات التي نريد تحقيقها؛ لأنَّ هناك مستحيلات نرغب بها، لكنَّها مستحيلة، وعندما نعجز أو نفقد قدرتنا على الموازنة يتعطل عقلنا، وتنشغل جوارحنا بين القفز والسعي لتحقيق المستحيل الذي لن يتحقق، ونكون ضيعنا ما يمكن تحقيقه‏.

أنين التعامل

ازدادت حاجتنا في وقتنا الحالي لكسب قلوب بعضنا بعضًا بصدق التوحيد، وحسن المعاملة، فنحن أولى بالتلطف والتودد، وأولى بالتحلي بالأخلاق، وأن نتعامل بصبغة الإسلام، ونطبق تعاليم شرعنا، وآداب ديننا الذي قال: «خالقوا الناس بخلق حسن».