مروة والقطة البيضاء

عادت مروة من إجازة في البحر الأحمر لمدة ثلاثة أيام، وما إنْ دخلت البيت حتى اكتشفت غياب قطتها البيضاء الصغيرة عن الدار، بحثت مروة عنها في كل أركان الشقة فلم تجدها، فخرجت تسأل الجيران، الذين أخبروها أن أحدًا لم يرَ قطتها الصغيرة، فبدأ القلق يعرف طريقه إلى صدر مروة، وبدأت تتخيل عددًا من البدائل الفظيعة، لابد أن قطتها الصغيرة قد خرجت إلى الشارع الذي ليس لها به سابق خبرة، وأنها قد تعرضت للمطاردة من الكلاب الضالة فجرت إلى الشارع العمومي المجاور حيثُ صدمتها سيارة مسرعة، وقطَّبت مروة جبينها من شدة الحزن، وعادت إلى شقتها تجر أذيال الخيبة، لتفتح حقيبة السفر، وتُخرج الأمتعة وتُعيدها إلى دولابها، وما إنْ فتحت مروة الدولاب لتعلِّق أحد فساتينها، حتى وجدت قطتها البيضاء الصغيرة قابعة أسفل الدولاب مختبئة، وكادت مروة يُغمى عليها من شدة الفرح.

أحيانًا نسمح لخيالنا أن يسبح بنا إلى المناطق الخطيرة فنغرق في دوامات قلق لا أساس لها من الصحة، حين نسمح للخوف والذعر أن يسيطر على تفكيرنا، فإننا غالبًا ما نتوقع وقوع أسوأ الاحتمالات، أحيانًا نسمح للخيال بأن يُعيد تركيب أسوأ الكوارث التي شاهدناها في نشرة الأخبار لنتخيل أبناءنا أو آباءنا أبطال هذه المشاهد الأليمة، إن الأفكار الملطخة ببقع من الخوف لا يمكن أن تصل بنا إلى نتائج واقعية بأي قدر من الدقة، النظر بعين خائفة يشبه وجود سحابة كثيفة فوق عدسات النظارة تحجب الرؤية وتعطي العين صورًا مشوهة غير صحيحة ولا حقيقية، أحيانًا نصر على أن نصل إلى حالة تشبه الشلل من شدة الخوف بسبب أوهام خيالية خلقناها في عقولنا، وأحيانًا ربما نأخذ مواقف دفاعية ضعيفة؛ لأننا نتوهم أننا سنتعرض لا محالة للفشل والسقوط، مثل مروة التي لم تجد قطتها البيضاء وتصورت أنها تعرضت لمطاردة الكلاب الضالة، وأنها سقطت مضرجة في دمائها بعد أن صدمتها سيارة مسرعة، فقط لتكتشف بعد لحظات عدم صحة هذه المزاعم، أحيانًا نضع أنفسنا والقريبين منا في حالة غير مبررة من القلق والرعب؛ قبل أن تأتي الأخبار التي تحمل الحقائق الأكيدة بتهافت كل هذه المزاعم.

نقرأ في الصحف عن أخبار مأساوية يشيب لها شعر الولدان، وصلت إلى الأهل ثم يتبين لهم بعد فترة وجيزة عدم صحة هذه الأخبار، وفي المقابل نسمع عن بعض الناس الذين مرت حياتهم بكوارث رهيبة، ولكن الله سبحانه وتعالى ألهمهم الصبر والاحتمال، وتجاوزوا ما مرَّ بهم من محن، وخرجوا منها وهم أقوى مما كانوا، الفرق بين الفريقين يقبع في كيفية استقبال الكارثة، وليس في طبيعة الكارثة نفسها، فبينما قفز الفريق الأول في تخيل وتوهم ما تبين لهم بعد برهة من الوقت عدم صدقه ومجافاته للحقيقة، استقبل الفريق الثاني الصدمة والكارثة الحقيقية بنفوس راضية، وتعاملوا مع المخاوف تعاملاً واقعيًّا خاليًا من الخيال. الحقيقة هي أن الشجاعة ليست فقط صفة الأبطال والبطلات، ولا هي صفة للأقوياء مفتولي العضلات، ولكنها يمكن أن تتكون داخل كل نفس مستعدة أن تبصر بنظرات واقعية ما يمر بحياتها، وتكتشف أن ما يبدو خطرًا، ويمكن أن يصل لدرجة الرعب بواسطة المخاوف الواهمة، يمكن أن يتساقط ويتبدد وتتبخر الأوهام.

للتواصل مع الكاتبة يمكنكم مراسلتها عبر البريد الالكتروني [email protected]