من ذا الذي قال إن الشقراوات أجمل؟

يقولون في مصر  «السَمار نصف الجمال» وأنا أقول: بل أكثر.

هل تستوي المقلة الزرقاء بالبهية التي هي سماء شرقية صيفية مزدانة بالنجوم؟ هل تستوي العيون التي تحكي -مثل كل شهرزاد من الشرق- بالعيون التي تكتفي بالحديث اليومي؟

الشقراوات عمليات، والسمراوات دافئات.

قلب الشقراوات -عادة- فندق للحب العابر، والسمراء تكنز الحب وتجتره، مستعينة به على الجوع والعطش.

الشقراء أمّ عجولة، ترضع وليدها بسرعة كي لا تتأخر عن العمل. السمراء تمنح كل شيء، آخر قطرة حليب في صدرها، حتى ينتزع منها صغيرها، لحضن الزوجة أو للحرب.. تظل ترضع ذكراه، بعد أن يصير شهيدًا.. أو زوجًا!

قد تتفوق الشقراوات –وليس دائمًا- في مجال الأعمال، ولا نستطيع أن نجردها من كل تميز، لكن القلب يخفق أكثر للسمراء، أو القمحية ذات العيون السود.

لا أدري ماذا يفضل أهل الشمال؛ ربما كانوا يؤثرون الشقراوات على غيرهن.. فكل نصف يحنّ إلى نصفه الآخر، وكل ابن حضارة يهفو إلى واحدة من دمه.

فالرجل حين يحب، يختار طبقًا لآلاف شرائح الصور المخزونة في عقله: لأمه وأخته وجدته، لخالته وعمته وابنة خالته وعمته.

أما الشقراء، فقد يعجب بها، بل يجن بها، لكنها لحظة فندقية لليلة أو ليلتين.

كانت لي تلك اللحظة، بل كانت عليّ!

في بلاد الثلج والجمال، كانت لي رحلة جامعية طالت لأكثر من سنة. نمساوية لخبطت لي عقلي.. أغراني الذهب وعسل النحل والقشدة والبحر فيها، وموسم الربيع وهو دفء كله وعنفوان.. لكن مضى يومان.. وأقبل الجليد، صار بياضها ثلجًا، وطردني شتاؤها إلى موطني، حيثُ الشمس بلا حساب.. والدفء بسخاء يسري في الجسد ليستقر في الروح.

وإن كانت عندنا عواصف رملية ساخنة، وقلوب رملية ساخنة: تزمت وعنف بلا داع وتسلط وقهر، كل هذا يمارس على أخواتنا وحبيباتنا، على أمهاتنا؛ كل هذا بداعي الفضيلة والخضوع الواجب، بينما لا تحتاج السمراء والخمرية، ولا البيضاء والقمحية، أختنا وحبيبتنا وأمنا، إلى كل هذا؛ ليعرفن معنى الفضيلة والواجب؛ ليتعلمن الوفاء والإخلاص، فهن مُعلّمات للوفاء، حافظات للفضائل، قوّامات بالواجب.. والحق أن زملائي من رجال الشرق يبخسون المرأة حقها، ولا يقدرون ذكاءها ونضجها حق قدره.

ما لا يعجبني –وكل شيء يعجب لابد أن فيه شيئًا لا يعجب- في نسائنا أنهن أحيانًا، بل غالبًا، ما يتشربن الثقافة التي تقهرهن، فيصرن مؤمنات بهذا القهر وجدواه ووجاهته، حتى حتميته، بل إنهن ينتهين بألا يعجبن إلا بالرجل الذي يقهرهن ويعاملهن معاملة السيد لما ملكت يده، ويحتقرن من يعاملهن برقة وديمقراطية ويراهنّ كائنات مستقلة من حقها أن تتمتع بالحرية!!

هذه مشكلة كبيرة، تكاد تجعل المرء يُغيّر رأيه فيرى الشقراوات أجمل!

فالجمال حالة، ليس ملامح أو عيونًا أو جسدًا أو مجمل كل هذا، الجمال حالة روحية جسدية اجتماعية حضارية.. والرياح الرملية تكاد تشوه برملها الجارح وجه السمراء.

لكن قواها الروحية الداخلية، الينابيع الزمزمية الدافئة، تشفع لها وتقف إلى جانبها وتعلو بها وتزكيها وتكرمها بنعمة ربها، أن خلقها ثرية بعيون الماء، يلقاها الإنسان واحة ذات نخيل وظل ظليل يستنيم إليها ويرتاح في أحضانها.

واحة تسألك أن تصير من سكانها الدائمين، لا تتركك وحيدًا في حجرة فندق، وتمضي تاركة لك الفاتورة تدفعها أنت، بعد أسبوع من شهر مسموم.

نعم، حتى وإن تجهلي أحيانًا مصلحتك أيتها المحبوبة كأمّ، الراسخة في القلب كنخل العراق، لا أستطيع أن أتوب عن حبك.. وأتوه إذا حاولت.