لعل القفزة إبان بداية السبعينيات الميلادية، التي جعلت الأغنية السعودية تحضر على مسارح خليجية وعربية: الكويت، قطر، مصر، لبنان، بأسماء حملتها مثل حناجر طلال مداح ومحمد عبده بموازاة تحضير من ألحان وحناجر عمر كدرس وغازي علي، وهذا ما جعل من أغنية: «مقادير» تخرج من الإطار المحلي، متجاوبة مع الإطار الرومانسي العربي مثل أغنيات: وردة مع بليغ حمدي، وعبد الكريم عبد القادر مع عبد الرب إدريس. وخلال هذه المرحلة ظهر الصوت النسائي ابتسام لطفي، الذي حمل معه تنويعاً غير مسبوق بين الموروث الحجازي في الأغاني الشعبية: لا لا يا الخيزرانة، أو الدانات: فارج الهم، ويا طير ماذا الصياح، وانطلاقها عربياً للعمل مع أسماء عربية من مصر والكويت.
وبعد التحولات الاقتصادية، وتحول مجتمع الطبقة المتوسطة إلى ذروة الاستهلاك، ظهرت عوامل تقنية للتواصل الفني باتت هي تهدد الإذاعة والتلفزيون، ونقصد أشرطة الكاسيت، وبداية جيل الثمانينيات، الذي بدا يوازي تطلعات المجايل له في الكويت والبحرين، ويتعاون لرسم أغنية خليجية تتسع للنطاق الجغرافي في تعاونات لحنجرة عبد المجيد عبد الله مع الملحن البحريني خالد الشيخ والكويتي عبد الله الرميثان، فكيف برابح صقر، وقبله محروس الهاجري، ثم راشد الماجد، بقربهم من المختبر الغنائي الخليجي في المنطقة الشرقية من بلادنا.
وخلال مرحلة تستمر إلى أبعد من ذلك، يأتي جيل جديد مع تحولات على مستوى الحياة الاجتماعية، وما طالها من ضغوط، وتطلعها إلى التعبير عن نفسها بشكل مغاير عما سبق لجيل قبله، ولعل ما دفع بهذه الطموحات بعيداً امتداد الرأسمال السعودي إلى الإنتاج الفني، وظهور الفضائيات التي ستكرس أسماء جديدة: راشد الماجد في فترة أسبق، ثم راشد الفرس، جواد العلي، حسن عبد الله، وظهور الصوت النسائي مجدداً: الجوهرة ووعد.
(3)
ولعل مثل هذا الجهد يتطلب إرادة باحثين ومؤرخين ونقاد، ومعدي قوائم، ومصادر أولها أرشيف الإذاعة والتلفزيون، كذلك شركات الإنتاج والتوزيع والنشر، وإعادة نبش ركام المطبوعات، صحفاً ومجلات، لكي يخرج هذا العمل مشرفاً وذا قيمة، وتعزيزا لوجودنا الحضاري، كون الغناء ذاكرة الوجدان، التي ترافق أي مجتمع يريد أن يبقى له ذكر بين الشعوب التاريخية، لا يكون فيه الإنسان إلا عزيزاً وكريماً!.