نساء غرب.. ونساء شرق


قطعت شرايين يدها، لمجرد أن اتخذ لنفسه خليلة، وأنجب منها طفلاً غير شرعي في الخفاء، فاختارت التوقيت المناسب لتجعله ذكرى باقية في تاريخ حياته، وأنهت حياتها مع منتصف الليل، وبالتحديد مع بدء دق الطبول، وسماع الفرقعات معلنة حلول السنة الميلادية الجديدة، اعتقادًا منها بأنها ستحرمه متعة الاحتفال السنوي، لكن الرجل، كأن ربّ ضارة نافعة، انطبقت عليه، فتخلص بقدرة قادر من تلك المتكبرة في الحي، وأتى بعد أسبوع من موتها بخليلته الشابة، لتصبح جارتي، وتتمتع بكل هذا البذخ والثراء، جارتي المنتحرة، كانت قليلاً ما تلقي السلام، رغم أن لها عينين فضوليتين، كنت أحسها تنبش جسدي، وتتفحصني بالمجهر الدقيق، من رأسي حتى أخمص قدمي، كلما مررت بها، كأنها تستغرب أناقتي، وتركي شعري المجعد الثائر هذا مفتوحًا، رغم أن جذوري بدوية، فالغالبية مازالت تظن أننا مازلنا نسكن خيامًا، ونركب جمالاً، وتعاطينا مؤخرًا تصدير الإرهاب.

يوم انتحارها، رأيت بأمِّ عينيّ غطاءها الملوث بالدم، والظاهر أن المرأة احترقت غيرة، ونزفت لساعات، اللهم أحسن خواتمنا، فتذكرت أمي وصبرها، وناجيتها في خاطري مواسية، أينك يا أمي بصبرك من هذه الضعيفة؟، لقد تزوج أبي على أمي أكثر من ثلاث مرات، ولديَّ أكثر من عشرين أخًا، وأختًا، وأبي كان ينسى أسماء أبنائه من كثرتهم، ورغم أن أمي عانت الأمرّين، إلا أنها كانت باقية على أطفالها، ولم تنتحر كالغربية، بل ذهبت مع أبي لتخطب له وهو في شيخوخته، والله «شابت لحاهم والعقل لسه ما جاهم»، وعتبت عليها حينها، واتهمتها بأنها من بين النساء الشرقيات، اللواتي تسببن في ألا تصلنا حقوقنا كاملة في وقتها، فلن أرضى أن يشاركني في شريك حياتي أحد، فأنا كالفريك لا أحب شريكًا، حينها أجابتني، أن عليَّ أولاً إيجاده، وبعد ذلك يمكنني أن أسن شروطي كما شئت، ماذا؟ أمي تلقي عليَّ قنابل كلامية لأنني عنست! جارتي المنتحرة لم تنتحر لأن: ومن الحب ما قتل وانتحر، بل لأنها لم تتقبل أنه أكل الدهر عليها وشرب، ولم تعد تنفع، فالغربية في شبابها كالزهرة ما أروعها، لكن ما إنْ تبدأ تتفسخ، حتى تبدأ تفقد تدريجيًّا جاذبيتها، لست أدري هل هذا من كثرة أكل جينات الخنزير، وكثرة التدخين، أم ماذا؟، والطامة الكبرى أنها تمشي رغم ظهرها المقوَّس وخصلات شعرها القليلة، بوجه كلوحة بريشة رسام، أحمر على أخضر على أصفر، كأنها بذلك تحارب التجاعيد والزمن، لكن أمي ما أحلاها بسترتها وصفاء الإيمان الذي يشعُّ من وجهها، الرجال عند الغربية كالشراشف، تغيرهم متى شاءت، والتغيير قانونًا محفور في جدول حياتها، يصورون لنا الحب والهيام أمامنا فقط، لأنهم يفتقدونه، وما إنْ يحب الرجل على زوجته، وفي أحيان كثيرة يحدث العكس، حتى تصلك أخبار انفصالهم الماراثوني، فتستغرب كيف وقع ذلك، وأنت قد رأيتهم أول أمس يدًا في يد، واليوم اكتشف خيانتها، أو صارحته أنها معجبة بشخص آخر.

وللغربيات سطوة، فرئيسي في العمل كانت له امرأتان، السكرتيرة والزوجة، وكان الله في عون هذا الخائن، أسد جائر أمام عماله، وفار خائف بحضور السكرتيرة، لقد كانت هي المالك الحقيقي للشركة، وليس هو، لترى جبروتهن، والرجل سلب كل ما لديه، حتى رجولته بشنباتها، ونكد العربية أحلى ألف مرة من الغربية، بدليل أن أولئك الذين يختارون في بداية حياتهم زوجة غربية، بعد سنوات تجدهم يركضون حنينًا عائدين إلى العربية، أمير الشعراء، أحمد شوقي، نادانا يومًا بأن نأخذ الغربية مثالاً يُحتذى، وأنا أنادي من هنا الغربيات بأن يأخذننا مثالاً يُحتذى في الصبر والتضحية والوفاء والإخلاص والعفة واللسان الطويل، نعم لكن لساننا أحلى.. وأقول لكل منْ يحاول أن يتهمني بالتخلف والرجعية، إن أهل مكة أدرى بشعابها، وتحية حبٍّ للعربيات.