لا يدري متى بدأ ذلك. لا يستطيع أن يحدد بدقة. منذ أيام، منذ أسابيع، منذ شهور... لا يعرف. شيء ما يطبخ خلف ظهره. شيء لا يحبذه. شيء يثير رعبه وجنونه.
حاول أن يفهم. ولم يستطع. لكنه انتبه إليها.
لاحظ أنها صارت أجمل. وجهها تورد، وبشرتها صفت، وعيناها كبرتا وبدأ يلمع فيهما بريق غير عادي.
صارت حلوة. تتعطر، تتمشى بغنج، وتبتسم دون توقف.
ماذا يحدث لها؟
تسلل الشك إلى قلبه. معقول؟ تفعلها؟
ولم لا؟ رد على نفسه وهو يفاجئها تتحدث خلسة في الهاتف، تضحك كمراهقة تختبر لأول مرة فتنتها، وتتحجج بكل الأعذار للخروج في مشاوير يومية غامضة تدوم ساعات وساعات. ما الذي يميزها عن غيرها؟ جلساؤه في المقهى محقون. كل بنات حواء غانيات. همهن الوحيد إغراء الرجال والاستيلاء على قلوبهم ومحافظهم. سبق وأن فعلتها ابنة المدرس جاره. وقريبة بواب العمارة. وحماة صاحب المقهى، العجوز الستينية التي رمت حبالها على شاب مسكين ومعوز، في عمر أبنائها.
زوجته لا تختلف عنهن.
تملكه الحنق، وفكر برعب في حجم الفضيحة.
ماذا سيقول أصحابه عنه؟ هل جاء دوره ليصبح موضوع الدردشة اليومية؟ لن يرحموه. لم يرحموا أحدًا من أهل الحي، ولا حتى هذا الأجنبي المسكين الأعرج، جاره الجديد الذي لا يغادر مسكنه إلا للشديد القوي.
ماذا يفعل؟ يخنقها، ويدفن الفضيحة معها؟ يرحل وإياها؟ يهرب إلى مكان لا يعرفه فيه أحد؟
ضاقت عليه السبل وسدت الأبواب في وجهه. هجر المقهى، هجر البيت، وتسكع دون هدى بحثًا عن حل يخلصه من هواجسه. طافت قدماه أزقة كثيرة، وقادتاه أخيرًا إلى حيه. لا مناص من مواجهتها. لا يمكن أن يقدم على أمر دون أن تعترف له بعظمة لسانها بأنها.. تخونه.
رفع رأسه إلى شرفتها. ولمحها تروح وتجيء، وهاتفها معلق عند أذنها. سمع وشوشة قريبة، وتلفت بريبة. أحدهم يتمشى في الطرف الثاني من الشارع، ويتحدث في الهاتف.
جن جنونه. ضبطهما.
تحرك باتجاه الرجل الذي أنهى مكالمته على الفور، ووقف بمواجهته. تذكر أنه رآه سابقًا في الحي. رآه أكثر من مرة. في المقهى. على الرصيف. قرب الكشك.
فهم كل شيء الآن.
انقض على غريمه ووجه قبضته نحوه. لم يعرف ما حدث. طار في الهواء، وسقط أرضًا وطوقته زمرة شبان حملوه إلى سيارة نقل قريبة. انهالت الأسئلة عليه، وبدأت المحنة.
شهران في مكان تابع للبوليس السري. جلسات استنطاق يومية، وإصرار غريب من معتقليه على أن له علاقة بالأجنبي الأعرج الذي يخضع لمراقبة دقيقة لتورطه في ملفات سياسية خطيرة.
شهران، قبل أن يسمح له برؤية زوجته الباكية. اختفى قبل أن يتسنى لها إخباره بالبشرى التي أجلتها لليلة احتفالهما بذكرى زواجهما.. هي حامل.