في الـ"بي بي سي" هيئة الإذاعة البريطانية، نساء من دول عربيّة عدّة، استطعن الإفلات من التقليديّة، ليلحقن بركب العمل الإذاعيّ الصحافيّ، بدقة ساعات بيغ بين الشهيرة، فشكّلن تاريخاً عريقاً من العمل الإعلاميّ، وذكريات حفرت في ذاكرة الكثيرين في العالم العربيّ.
"BBC" تحتفل بذكرى مرور 75 عاماً على بدء انطلاقة القسم العربيّ، في شهر يناير 1938، من قلب لندن.
السؤال الذي وجّهته "سيدتي" إلى الإعلاميّات العربيّات اللاتي عملن في هيئة الإذاعة البريطانيّة، بمناسبة الاحتفال بذكرى مرور 75 عاماً على انطلاقة "هنا لندن"، هو كيف أثّرتِ وتأثّرتِ كامرأة عربيّة بالعمل في مؤسّسة غربيّة؟
الإعلاميّة ناهد نجار، والتي مرَّ على عملها في الـ"BBC" أكثر من عشرين عاماً، تقول: "لم يُشكّل عملي في الـ "BBC" نقلة نوعيّة فيما يخصّ الحريّة الإعلاميّة، لأنّني كنت أعمل في لبنان. لكنّ التأثير الكبير الذي شعرت به هو أنّني في عالم عربيّ مصغّر، تعرّفت فيه إلى مشاكل المرأة في الدول العربيّة، خلال فترة زمنيّة قصيرة جدّاً، ما كان لي أن أعرفها لو لم أكن في الـ"BBC". وقد تعرّفت على قضايا لم أكن أتصوّر أنّها موجودة، وهذا من خلال شموليّة الإذاعة، فالعمل في محطّة دوليّة يختلف عن العمل في محطّة محليّة.
وتُضيف نجّار: "أمّا فيما يخصّ العمل في مؤسّسة أجنبيّة، فلم أشعر بهذا إلا من ناحية واحدة، وهي التنظيم الإداريّ، فهي مؤسّسة لها ضوابط ولا تعتمد على الأمزجة ولا يعنيها إلا المهنة، فكلّنا مهنيّون".
المذيعة مي نعمان تتحدّث عن تجربتها في العمل الإعلاميّ الناطق بالعربيّة، لكن في الغرب، وتقول: "تجربتي كامرأة في مؤسّسة إعلاميّة بحجم الـ"BBC"، برغم قصرها، تستحقّ وقفة وتفكيراً مليّاً. كانت لي تجارب عمل سابقة في دول عربيّة مختلفة كمصر واليمن والكويت، ولم تكن لديّ توقّعات قبل بدء عملي هنا عن ثقافة العمل الخاصّة بالمرأة في الـ"BBC". لقد تعوّدت أن أكون إنساناً قبل أن أكون امرأة. في الـ"BBC"، الكثير من الفرص تُتاح للنّساء والرجال على حدّ سواء، ولكن كأماكن كثيرة أخرى تظلّ هناك فجوة بين الجنسين بالنسبة لمعدل الوصول إلى المناصب العليا".
الإعلاميّة نبيهة وطّاس، تتحدّث عن تجربتها في الـ"BBC" قائلة: "المرأة في الـ"BBC" الأمّ فرضت نفسها، واستطاعت تتبوّأ مناصب مهمّة في الصّحافة، وفي كلّ المجالات. وبرأيي، أنّنا محظوظات بالاستفادة من تقاليد مهنيّة نعمل بها في الصّحافة، كما أنّ هناك نماذج كثيرة من نساء ناجحات في الهيئة البريطانيّة، وفي الأقسام المختلفة لـ"BBC" العربيّ.كذلك ثمّة نماذج ناجحة، سواء من الجيل القديم أو الجديد، فأنا أكره التّحريض والدعاية والإملاءات أو التحيّز لأيّ طرف؛ فمهمّة الصّحافي هي إبلاغ المشاهد بصدق بما يجري، من دون التورّط أو إسقاط الأفكار السياسيّة والمعتقدات الشخصيّة على الخبر.
الإعلاميّة هناء عوني، تتساءل إن كان الأمر يستحقّ المغامرة؟ أن أترك وطني وأستقرّ في بلد غريب، وأبدأ حياة جديدة مختلفة؟ الإجابة بعد خمس سنوات من العمل في الـ"BBC"، وقبلها لم تتغيّر على الإطلاق: نعم. لا أخفي أنّني عندما وطأت قدماي الـ"BBC"، عام 2007، كنت محمّلة بإرث وهواجس بالية، شكّلتها سياسات المؤسّسة الإعلاميّة الحكوميّة التي عملت فيها، إلا أنّ هذه السياسات كانت تُحظّر على النّساء اللواتي يرتدين الحجاب الظهور على شاشتها، حتّى إنّ صوتي اعتبروه لا يصلح إذاعيّاً على الإطلاق.
الإعلاميّة وفاء زيّان تروي تجربتها لـ "سيدتي" قائلة: "قبل قراءة نشرة الإذاعة، كانت دقّات ساعة "بيغ بن" تُشعرني بالرّهبة والمسؤوليّة؛ أسمع صداها المتتابع يرنّ في كلّ مكان، قبل أن أذيع "هنا لندن". في تلك اللحظة، كانت تمرّ في ذهني صور النّاس في السيّارات والبيوت والمقاهي متأهّبين لسماع الأخبار بصوتي من الـ "BBC"؛ فأنا أعي جيّداً أنّ الملايين يتوقّعون منّا أن نذيع عليهم أخباراً يثقون في صحّتها، ويعتبرونها القول النهائيّ حول أحداث تختلف عليها تغطيات الفضائيّات العربيّة المتعدّدة. أمّا التّحدّي الآخر فكان شخصيّاً، إذ كنت أوّل تونسيّة تقرأ النشرة على موجات هذه المؤسّسة العريقة التي توافدت عليها، طيلة 75 عاماً، أصوات حفرت في وجدان المستمعين.