كشفت قلّة الأعمال الأردنية المنتجة لرمضان 2011 واقع معاناة الدراما الأردنية التي تواجه خطراً حقيقياً من فترة ليست بسيطة، بعد تراجع عدد من المنتجين الأردنيين عن استثمار أموالهم فيها، إثر أزمة الخليج ثم نمو وتطور «المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية» الذي أعاد العافية للساحة الفنية بإنتاجاته المتعدّدة للأعمال التاريخية والبدوية، منها لصالح فضائيات خليجية، وبعضها لصالحه الخاص ومن بينها «الاجتياح» الذي نال عليه جائزة إيمي العالمية. لكنه ومنذ عام 2010 لم يستطع مواصلة نشاطه الإنتاجي المعتاد حيث أصابته أزمة مالية عاصفة، جرّاء إقدامه على شراء قناة أردنية خاصة متعثّرة أصلاً، وعدم إطلاقها فضائياً تسبّب له بخسارة جعلته لا ينتج سوى عمل واحد هو «أيام الطوفان»، ومسلسل «أمل» بشراكة إنتاجية مع قناة «بي بي سي» البريطانية. وجاءت مبادرة قناة «أبو ظبي» بالتعاون مع شركة «آرى» الإماراتية الأردنية للإنتاج الفني والمخرج إياد الخزوز، لتسهم في إنقاذ الدراما الأردنية من حالة الجمود والشلل بإنتاجها «بيارق العربا». وعاد بعد غياب المنتج الأردني المعروف ألبير حداد عبر مسلسله الوطني الضخم «بوابة القدس». فعلياً، لم ينتج ويصوّر هذا العام في الأردن سوى أعمال قليلة تدقّ أجراس الخطر وتستنهض المنتجين العرب والأردنيين ليدعموا الدراما الأردنية التي رغم قلّتها هذا العام، إلا أنها تتّسم بالجودة الفنية:
"بيارق العربا" دراما بدوية برؤية وتقنية عالمية
المسلسل البدوي الأردني الوحيد لعام 2011 هو "بيارق العربا" الذي نفّذته شركة "آرى" الإمارات للإنتاج الفني من إنتاج قناة "أبو ظبي" وسيعرض على شاشتها، وهو من كتابة الشاعر الإماراتي رعد الشلال ومأخوذ من البيئة البدوية الإماراتية في فترة تقع ما بين القرنين السادس والسابع عشر، ويكشف طبيعة حياة البدو في تلك الحقبة من أزيائهم ونوع عيشهم وتمسّكهم بأعرافهم وتقديسهم للأرض والشرف واحترام رجالهم الراقي للمرأة، وقامت ببطولته نخبة من نجوم الأردن: ياسر المصري، عبير عيسى، شايش النعيمي، منذر رياحنة، ريم بشناق، جميل براهمة، سهير فهد، خالد الغويري، حابس حسين، سهير عودة، راكين سعد السيلاوي، هيام الجباعي، ليلى عربي، وآخرون، مشرف عام على الإنتاج: خلدون أبو مسلم، مدير إنتاج: هزاع الطورة، مساعد مخرج: محمد العلمي، وإخراج الأردني الشاب إياد الخزوز الذي بذل فيه جهداً خاصاً أراد منه خلع ثوب السذاجة والنمطية والاستسهال عن الدراما البدوية التي أعاد ولادتها بهذا العمل، من خلال تقديمها برؤية تقنية عالمية جديدة لم تستخدم سابقاً، حيث صوّره بكاميرات سينمائية وبتقنيات حديثة، أدخلت للمرّة الأولى في الدراما الأردنية والعربية لدرجة أنه أصبح من غير المستبعد في الأيام المقبلة على مخرجه الخزوز الإقدام على تصوير مسلسل بدوي رفيع المستوى بتقنية الـ 3d الثلاثية الأبعاد.
مجازفو "المهمة المستحيلة3"
استقدم القيّمون على "بيارق العربا" فريق مجازفة إيطالياً مشهوراً، نفّذ المشاهد الخطرة في أجزاء الفيلم العالمي "المهمة المستحيلة3" الذي قام ببطولته النجم العالمي توم كروز. وجاء للمرّة الأولى إلى بلد عربي لينفّذ مشاهد المعارك المثيرة والخطيرة التي دارت رحاها بين القبائل العربية ونفّذت بطريقة غير مسبوقة في دراما عربية، في صحراء الأغوار الوعرة التي تأقلم الفريق الإيطالي عليها بعد أيام. وقد أشرف المخرج على تنفيذها بنفسه ليلاً نهاراً دون انقطاع أو توقّف، متحدّياً الزوابع الرملية العنيفة التي شاركتهم بطولة بعض مشاهدهم العنيفة.
التمرّد
وبعد أن حفظ الجمهور عن ظهر قلب حكايا الدراما البدوية والتراثية، حاول الشاعر الإماراتي رعد الشلال التمرّد على الأفكار التقليدية الجاهزة، وكتب نصاً فيه الكثير من الواقع البدوي الخليجي والعربي في آن. وحمّله إسقاطات وطنية من خلال تمسّك البدو العرب، بقيم العدالة الاجتماعية وقدسية الأرض لديهم ودفاعهم حتى الموت عنها، من خلال قصة العمل التي تدور أحداثها وتفاصيلها البدوية المأخوذة كاملة من التراث الإماراتي العربي حول قبيلة البيارق التي يقودها الشيخ خالد (ياسر المصري) الشجاع العادل الذي يحكم بالعدل حتى يبادره زعيم قبيلة الجهاذم الشيخ طالوت (شايش النعيمي) بالعداء، ويحاول الاستيلاء على أراضي قبيلته وإذلاله هو ورجاله. فيثور على عدوّه ويدافع عن أرضه وقبيلته بشجاعة متفادياً كل المؤامرات التي تدبّر ضده وتحاك حوله حيث يواجه عدواً قذراً، لا يتورّع عن استغلال كافّة الوسائل لتدميره ومنها السحر الأسود الذي يعرّضه وأسرته للخطر. ولكن وعيه ووعي زوجته الشيخة شمسة (عبير عيسى) ينقذهما دائماً، وتشتدّ شراسة وخطورة المواجهة بين القبيلتين، وتمتدّ إلى القبائل الأخرى بنسائها ورجالها فماذا يحدث؟ ولمن تكون الغلبة في الجولات الأولى؟ وهل يربح الفارس الشجاع الشريف أم العدو الغادر الخبيث؟ وهل سيقع الشيخ خالد رغم حبه الشديد لزوجته في حب امرأة أخرى لا تخفي حبها له، حتى أمام زوجته الشيخة شمسة التي تتغيّر حياتها فجأة، لكنها لا تفقد حدّة ذكائها وبصيرتها اللتين تستخدمهما في الدفاع عن عشيرتها ضد عدوهما المشترك؟ وهل نجاح المحتل مرّة واغتصابه الأرض من صاحبها سيطول أم أن الشيخ خالد سيدعو الشيوخ والقبائل العربية المجاورة إلى دعمه وتوحيد قوتها معه حتى لا يتفرّقوا وتُحتلّ أراضيهم واحدة تلو الأخرى؟
إصرار ياسر المصري
رغم وجود "الدوبلير" والمجازف الإيطالي ماركو الذي يؤدّي بعض المشاهد الخطرة عن الفنان الأردني ياسر المصري، أصرّ الأخسر على تنفيذ وأداء بعض المشاهد بنفسه، إيماناً منه بوجهة نظر المخرج الخزوز الذي كان يدرّب "الدوبلير" والفنان معاً على المشهد ذاته ويدع الفنان يستفيد من خبرة المجازف في المعارك ويصوّرها بنفسه في النهاية. وقد أدّى انسجام ياسر المصري البارع في ركوب الخيل إلى السقوط أرضاً والإصابة ببعض الكسور التي ألزمته أياماً في السرير، ما جعله يرجئ تصوير معاركه حتى تماثل للشفاء وصوّرها شخصياً. ولم يستغرب زملاؤه منه هذا الأمر لما عرف عنه من حرفية عالية في الأداء والتمثيل والتوافق الفني بينه وبين فريق العمل.
راكين الوجه الجديد
ويقدّم "بيارق العربا" اكتشاف المخرج إياد الخزوز الجديد الوجه الأردني الواعد والصاعد راكين السيلاوي الأكاديمية التي درست التمثيل في أرقى الجامعات البريطانية، وخدمتها خلفيّتها الأكاديمية وموهبتها بترشيحها للعمل مع أهم ثلاثة مخرجين عرب هم: حاتم علي، لتعود وتصوّر دورها في المسلسل الوطني التاريخي "بوابة القدس" مع المخرج السوري رضوان شاهين، لكن فرصتها الثالثة، كانت الحاسمة حيث تبنّاها المخرج الأردني إياد الخزوز، وأسند لها دوراً هاماً تؤدي فيه دور ابنة شيخ قبيلة البيارق خالد (ياسر المصري) وزوجته الشيخة شمسة (عبير عيسى) والذي تقاضت عنه، حسب ما سرّب إلينا من مصدر مقرّب من الإنتاج في الإمارات، أجراً قدره تقريباً عشرة آلاف دولار. وهو أجر نادراً ما يعطى لفنانة صاعدة بالأردن، وتبنّي الخزوز لها، قد يرشّحها لأعمال أخرى معه. وراكين ابنة أسرة مبدعة فوالدها الإعلامي السياسي المعروف سعد سيلاوي المدير الإقليمي لشبكة وقنوات إم بي سي و"العربية"، ووالدتها مصممة المجوهرات المعروفة روابي أبو غزالة وجدتها لأمها الروائية رجاء أبو غزالة.
سهير فهد بعد غياب
نجح إياد الخزوز في إعادة الفنانة المعروفة سهير فهد بعد غياب طويل إلى الدراما البدوية، حيث ركّزت عملها في الآونة الأخيرة على المسرح والدوبلاج. وتؤدي دوراً محورياً وهاماً في الأحداث لم ترد كشف الستار عنه لتفاجئ جمهورها الذي قلق عليها، إثر تعرّضها لأزمة قلبية شفيت منها بحمد الله لتعود بأعمال فنية وقوية رغم ما فيها من تعب وخاصةً الدراما البدوية المرهقة جسدياً.
من كواليس العمل:
- تألّق نجوم ونجمات مسلسل "بيارق العربا" بأزيائهم العربية المطوّرة، لكن الأزياء الرجالية حظيت باهتمام أكبر من قبل مصممة أزيائه السورية قمر المحاميد التي صارحت "سيدتي" خلال زيارتها لموقع التصوير في صحراء الأغوار والبحر الميت، أنها صمّمت أكثر من مائة عباءة رجالية لنجومه، وعلى رأسهم الفنان ياسر المصري الذي احتلّ المركز الأول بارتدائه أكثر من 23 منها. وتميّز عن الآخرين بحكم أنه شيخ القبيلة. لذا، صنعت أزياؤه من الجوخ والصوف يدوياً على أيدي فتيات يعملن لديها. وجاء بعده في المركز الثاني الفنان شايش النعيمي الذي يؤدي دور عدوّه الشيخ طالوت بـ 12 عباءة، يليهما في المركز الثالث الفنان منذر رياحنة بسبع عباءات فقط. وصنعت معظم أحذية ممثليه وممثلاته من جاعد الخروف الطبيعي. وتميّزت أزياء نجماته بالبساطة وقلّة الزركشة والتطريز اليدوي، كما كان سائداً في تلك الحقبة في الإمارات العربية المتحدة حيث كانت النساء يصنعن ثيابهن على النول واليد. ورغم ذلك، أكّدت قمر أن أكثر نجماته أناقة كنّ: عبير عيسى وريم بشناق وراكين السيلاوي. وأبدت فخرها بما أنجزته من أزياء خاصة لهذا العمل العربي الضخم الذي تفرّغت له تماماً طيلة سنة كاملة تقريباً، لأن مخرجه إياد الخزوز فنان حساس مبدع، يهتمّ مثلها بكافة التفاصيل الصغيرة والبسيطة، ما جعلها تستمتع بالعمل معه المريح لها نفسياً حيث يتميز بإنصافه لجهد كل من يعمل معه من أصغر عامل لأكبر ممثل.
- عرفنا من مصدر موثوق أن أعلى نجومه أجراً هما الفنانان ياسر المصري وعبير عيسى اللذان يتمتّعان بشعبية عربية واسعة ويحظى أي عمل لهما بنسبة مشاهدة عالية.
- للمرّة الثانية يتزوّج الفنان ياسر المصري درامياً بالفنانة عبير عيسى حيث كانت زوجته الثالثة في مسلسل السيرة الذاتية الشهير "نمر بن عدوان" الذي حقّق نجاحاً غير مسبوق في العالم العربي.
- لم يشكُ أحد الفنانين من أجره بل أبدوا سعادتهم بمستوى العمل الفني والتقني والإخراجي الرفيع.