أنطونيو بانديراس ذلك الفتى اللاتيني الوسيم ذو اللكنة الأميركية الغريبة الذي فرض حضوره في هوليوود، وفي الحياة هو رجل جريء، مرح، ومهذّب. ينظر إلى المرأة بعين احترام ويقدّر قيمتها لأن ثقافته علّمته ذلك. فهو مزيج شرقي- غربي "حسب تعبيره"، إذ ردّد بانديراس كثيراً كم هو فخور بأصوله الإسبانية مرجِعاً خصاله الأصيلة لدم عربي يسير في عروقه. "سيدتي" التقت بانديراس ضمن فعاليات مهرجان الدوحة السينمائي "ترايبكا" حيث كشف لنا تفاصيل كثيرة عنه وعن شخصيته الحقيقية بعيداً عن عالم السينما، وتحدّثنا معه عن هوليوود وعن عائلته والكثير من التفاصيل الأخرى. إليكم الحوار .
* بداية حدّثنا عن فيلمك الأخير "الذهب الأسود"؟
الفيلم يتحدّث عن شيخ قبيلة يبحث في إمكانية وجود دخل جديد ومفيد لشعبه. وهنا، عوضاً عن البحث يأتي إليه من يفتح له بوّابة للجاه والعز فيطمع ويقع تحت سطوة لمعان الذهب، ثم يبدأ باستخدامه لنفسه وبالتالي يتحوّل إلى ضحية حمّى الذهب. تفاصيل الفيلم تلزم المشاهد على إعادة حساباته في الأخطاء التي اقترفها. فمن جهة، هناك شخصية مثالية ونقيّة للغاية، كل غايتها احترام العادات والتقاليد والأصول بينما تقف الشخصية الأخرى على النقيض تماماً، فهي تستخدم أشياءً لم تكن في الحسبان وعلاقاتها بالآخرين لم تبنَ على أسس صحيحة. في الوقت ذاته، لا أحد يفكّر في أن شخصاً ثالثاً صغير السن سيأخذ من قاعدة هاتين الشخصيتين ليبني عالمه هو.
* ما الذي دفعك لقبول العمل في الفيلم، فأنت تعيش في هوليوود حيث تنتج أفلام عالمية بينما لا نضمن أن يشاهد هذا الفيلم أحد غير العرب؟
التحدّث عن حقبة تاريخية تتعلّق بشبه الجزيرة العربية أمر مهم جداً، وأنا بشكل شخصي مهتم بالثقافة العربية وبالتاريخ العربي. لا تنسي أن معظم التاريخ في العالم يدخل فيه طرف عربي شئنا أم أبينا، هذا هو السبب الأول الذي جعلني أقبل العمل في هذا الفيلم. أضيفي إلى ذلك الشخصية الثرية التي أدّيتها، وهي شيء جديد كلياً بالنسبة إليّ. ولذلك كانت سبباً آخر لا يقلّ أهمية عن الأول. أما نوعية المُشاهد، فما المانع أن يرى كل العرب فيلماً بهذه الأهمية؟ هوليوود كلّها تعرفني والعالم أيضاً، ومزيد من الجمهور يعنيني بكل تأكيد .
صورة غير صحيحة
* كيف وجدت التعامل مع ممثلين عرب في الفيلم؟
بالنسبة للتصوير مع العرب، فقد عملت في هذا الفيلم مع بعض الممثلين التونسيين الذين أحترمهم جداً. وحقيقة، أعتقد أن مؤسسة قطر الثقافية إلى جانب مهرجان الدوحة تحاول بناء مدارس فنية، وذلك ليكون لديهم مستقبل أكثر قبولاً للسينما. العرب أذكياء على صعيد التمثيل والإخراج، ولكن ما ينقصهم هو إمكانية وجود احتمالات أكثر في المستقبل للسينما، لأنهم يأخذون الأمر على محمل الجد، وذلك يعني أن الأفلام القادمة من الممكن أن تنتج أخيراً عن طريق مسلمين يتحدّثون عن أنفسهم، وهذا هو المطلوب. كل هؤلاء الأطفال الذين يقفون اليوم خلف الكاميرا سيكونون أمام عدستها غداً ليرووا قصصهم ولتكون نهاية حكاية وبداية أخرى.
* سبق وشاركت بمهرجانات عربية أخرى، برأيك ماذا ينقص المهرجانات السينمائية العربية لتصبح عالمية؟
من الصعب التحدّث عن المهرجانات العربية بشكل جدي لأنها تحتاج إلى سنوات ولا يوجد سبيل يحول دون ذلك، فهناك ثلاثة مهرجانات سينمائية كبرى في العالم مثل فينيس وبرلين. أما بقيّة المهرجانات بما فيها تورنتو، فمن الصعب أن تصل إلى مستوى تلك الكبرى لأن السوق مشبع بهذا النوع من المهرجانات. لكن، في هذه الحالة وبالأخص لأننا في هذا الجزء من العالم، فهي تضيف شيئاً مختلفاً بسبب كل الاختلافات الثقافية والاجتماعية والجهود المستثمرة لجعل العالم يعرف عن أشخاص لم يكن يعرف عنهم من قبل. هذا ما أعتقده دائماً بالنسبة للمسلمين والعرب، فنحن لا نعرف كثيراً عنهم، ومنذ اعتداءات 11 سبتمبر وضعت صورة معيّنة للعرب في ذهن الشعوب لكنها ليست صحيحة، وأعتقد أن هذه المهرجانات تبيّن حقيقة العرب والمسلمين ومشاعرهم لأن لديهم ثقافة جميلة. أنا أعرف ذلك لأني ولدت في بلد كان يحكمه العرب سابقاً.
أشعر بالذنب
* هل أنت مطّلع على السينما العربية؟
لا لست على اطلاع على السينما العربية، لكنني أحاول قدر الإمكان أن أتواصل في المهرجانات مع ممثلين من سوريا ومصر، حتى أنني أخذت أرقامهم الخاصة لنكون أكثر تواصلاً. وأشعر بالذنب لأنني أقول لكم هذه الحقيقة، فأنتم مطّلعون أكثر على ثقافتنا وأفلامنا بينما لا نعرف عنكم أكثر ممّا نراه في نشرات الأخبار.
* تفتخر كثيراً بأن أصولك ربما ترجع إلى العربية، في الوقت الذي نسي فيه كثيرون من العرب أصولهم واكتفوا بجنسياتهم الأخرى.
بعد اطلاعي على عالمكم وجدت شبهاً كبيراً بيننا وبينكم، أولاً لأن بلدي الأم كانت تقع تحت حكمكم، ولأن عرباً كثيرين ظلّوا في هذا المكان ولم يغادروا، وهذا يعني أن هناك تلاقحاً ما بين العالمين. ثم إنني أرجع كثيراً من القوانين في حياتي للثقافة العربية كالاهتمام بالعائلة واحترام المرأة وغيرها من الأشياء الأخرى. وهذا لا يعني أن الغرب لا يتمتّع بهذه الصفات، لكن العرب مازالوا يتشبّثون بها رغم انفتاحهم على العالم.
أبحث عن...
* متى تتوقّف عن التمثيل؟
أتوقف عن التمثيل في اليوم الذي أموت فيه ويوارى جسدي في التراب. وبصراحة سأخبرك سراً: أشعر أحياناً أني بحاجة للتوقف والتفكير، وهذا الأمر صعب في مكان مثل هوليوود حيث هناك ضغوطات. وأعود وأقول لنفسي: "اسكت وتابع" لأن هذا هو العمل الوحيد الذي أعيش من أجله.
*أخيراً عمَ تبحث اليوم؟
ما زلت أبحث عن الشيء الذي كنت أبحث عنه عندما بدأت، وهو أن أروي حكايات للناس وأن أحسّن من أدائي التمثيلي.