"سيدتي" تفتح ملف العمل الأكثر جدلاً وتحاكم فراس ابراهيم


    
لأنه يعتبر نفسه فناناً ملتزماً، جعل من الفن كل همّه، فهو من خلاله يقدّم رسائله ورؤيته للناس. تشدّه وتستفزّه الأعمال الفنية الصعبة المحاطة بالألغام والإشكاليات. فلم تثنه أو تحدّ من عزيمته أربع سنوات من الانتظار ومن الدوران في أروقة المحاكم بسبب إشكاليات تجربته في مسلسل "أسمهان"، فهو كما يقول لن يتوقّف بسببها عن تقديم أعمال سير ذاتية أخرى. حضّر نفسه منذ أعوام لتقديم عمل هام يحمل في طيّاته روح وعبق وثورة شاعر مهم. ورغم كل العوائق والضغوطات التي تعرّض لها والتي كادت أن تفشّله، قرّر وبروح عالية وبقدرات فنية كبيرة أن يحقّق ما يريد. فقد كافح وقاتل وحقّق حلمه في أن يرى عمله النور ليقدّم للناس حياة شاعر فلسطين محمود درويش، بكل تفاصيلها الدقيقة. "سيدتي" فتحت ملف العمل الذي اختلفت حوله الآراء مع منتج وبطل العمل الفنان فراس ابراهيم ليجيب عن تساؤلات كثيرة أُثيرت حول العمل وليتحدّث عن ألغام كثيرة اعترضت طريقه لإنجازه. وكيف تخطّاها؟ وكيف خذله الأصدقاء قبل الأعداء؟ وكيف تخلّى عن كل ما يملك لأجل تحقيق حلمه بتجسيد محمود درويش؟ فإلى حوارنا التالي معه:



•    يقال إن السبب الرئيسي لتقديمك مسلسل "في حضرة الغياب" الذي يتحدّث عن حياة محمود درويش هو حبك الشديد لهذه الشخصية وإعجابك بسيرته الذاتية، وربما هذا ما جعلك تقدّمه بشكل إيجابي ومنقّح في العمل. كيف تردّ على ذلك الكلام؟

-    لا أخفي أنني أحبّ الشاعر الراحل محمود درويش. وعندما دخلت للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، قدّمت قصيدة "جواز السفر" لمحمود درويش. ولمّا توفّي هذا الرجل، مررت بحالة وجدانية تجاهه وشعرت بأنه من واجبي أن أقدّم له شيئاً وفاءً له ولما قدمه لنا، عبر مسلسل يتحدث عنه وعن حياته وإنجازاته الكبيرة. وعبر ثلاث سنوات، قرأت كل ما كتبه من شعر ونثر بل وقرأت ما كُتب عنه أيضاً لأفهمه جيداً ولأتعمّق في شخصيته بشكل أكبر. فتعرّفت على تجربته وحالته الإنسانية والفكرية وظروفه السياسية التي عاش فيها. وبعد ذلك، وجدت أنه من الضروري أن يعرف الناس ذلك ليستفيدوا منه. وبالفعل قدّمنا فلسطين وهمّها من خلال شاعرها محمود درويش، وليس من خلال ما يقدّمه الآخرون عنها كمجرد شعارات إخبارية مكرّرة ملّ الناس منها. نحن نقدّم حياة إنسانية تتحدّث عن فلسطين بقالب جديد بالاتفاق مع الكاتب حسن ميم يوسف. محمود درويش كان يخطئ ويرتكب هفوات كأي إنسان، ولكن في النهاية لا يجوز أن نتعامل معه بلؤم وحقد. فهو شخصية تمثّل قضية ووطن. ونحن غلّفنا عمله بالحب لأجل أن نغلّف قضيته بالحب.

لسنا محكمة
•    من الانتقادات التي وجّهت للعمل أنه قدّم سيرة شاعر توفّي منذ فترة قصيرة، ومن المبكر أن يقدّم في مسلسل تلفزيوني. فهو لا يزال في الذاكرة وقد تظهر السنوات القادمة الكثير عنه وعن سيرة حياته. ألا توافق على هذا النقد؟

-    هذا الكلام صحيح، ولكن هناك تجارب إنسانية يجب أن تختبر. بعد مرور سنوات على وفاته، سيقدّم العمل بصور أخرى وسيكون له تقييم آخر. نحن قيّمنا محمود درويش ضمن تجربته الحياتية التي استمرّت على مدى سبعة وستين عاماً فقط. فنحن عشنا تجربة هذه السنوات، ولكن يمكن أن يقوم آخرون في ما بعد بتقييم تاريخ هذا الشاعر. وربما بعد سنوات يراه الناس أهم ممّا نراه نحن عليه الآن وربما يرونه أصغر من ذلك. نحن قدّمنا رؤيتنا وتقديرنا له، ولكلٍ وجهة نظره الخاصة حول هذا الشخص. نحن أبرزنا التجربة الإنسانية الحاضرة وتعاملنا معه وكأنه شخص حي لم يمت بعد. ولذلك قلنا عن العمل إنه رحلة مع الشاعر الكبير محمود درويش، ولم نقل إنه رحلة مع الشاعر الراحل محمود درويش. فنحن اعتبرناه حياً وقمنا بمرافقته في هذه الرحلة.
•    انتقدتم بأنكم لم تحاكموا محمود درويش في العمل، وخاصة أنه تمّ اعتبار أنه انتهى بمجرد خروجه من فلسطين؟
-    نحن لسنا محكمة لنقوم بمحاكمة أحد. وليس من المطلوب فقط أن نتتبّع سقطات الأشخاص من خلال ما نقدّمه من دراما. لم نقدّم عملاً مع أو ضد هذا الرجل بقدر ما هو تفكيك لتجربته ورحلة في عالمه. عرضنا معظم مراحل حياته ومنعطفاتها الهامة بقالب مغلّف بالحب والتقدير. لم نرد محاكمته من خلال ما قدّمناه ويمكن أن يحاكمه آخرون مستقبلاً. نحن جسّدنا حالة إبداعية وإنسانية عربية هامة في عمل عن محمود درويش المتطوّر والمتمرّد والمتنوّع بكل أشكاله ومن كل زاوية يمكن أن يراه منها الناس.

الخصوم مختلفون
•    البعض قد يقول: ألم يتعلّم فراس ابراهيم من مشاكل مسلسل "أسمهان" ليعيد تجربة تقديم السيرة الذاتية مجدداً ويدخل في متاهات ومشاكل مسلسل سيرة ذاتية جديد؟

-    العمل بلا شك عرّضني لمشاكل كثيرة بل وأكثر مما تعرّضت له في مسلسل "أسمهان"، والتي كانت مشكلتي فيه قضائية بحتة مع من يخصّهم العمل. وكنت قد اشتريت حقوق تقديم العمل. بينما هنا ومع محمود درويش، الخصوم مختلفون تماماً وهم كثر. فمحبّو محمود درويش خصوم و كارهوه هم خصوم أيضاً. وكذلك الغيورون منه والمختلفون معه في الفكر والسياسة هم خصوم، وزملاؤه ممّن تفوّق عليهم هم خصوم لي وللعمل. وهناك الكثير من الحاقدين والمستائين. وعملياً، هناك ألف سبب لكي يسبّ ويشتم العمل. وهناك من شتم العمل كرهاً وحقداً على فراس ابراهيم، ووجدوا فرصتهم لسبّه وشتمه من خلال الانتقاص من مسلسل "في حضرة الغياب" ولأدائه في العمل. وقد اكتشفت زيف الكثيرين وكذبهم بعد تعرّضي للأزمة قبل تصوير العمل وبعده.
•    قال البعض لا يمكن لأحد أن يمثّل أزمة فراس ابراهيم التي مرّ بها الموسم الماضي على الصعيد الصحي أو المالي أو على صعيد العمل ويبقى متوازناً، كيف تردّ على ذلك؟
-    رغم تعرّضي لحادث السير الأليم قبل تصوير العمل بأيام مع الفنان مارسيل خليفة، وتخلّي الكثيرين عن المشاركة بتمويل العمل بسبب ظرفي الصحي وما مرّ به البعض من أزمات مالية حادّة، ومن وبعدها تعرّضي لحملة إعلامية كبيرة لإيقاف العمل وإفشاله قبل تصويره وبعد الانتهاء منه، ولكن الحمدلله خرجت متوازناً وأكملت التجربة الفنية رغم كل العوائق التي تعرّضت لها مالياً ومهنياً وصحياً. صدّقني قال لي الكثير من الأصدقاء: خروجك بسلامة مما تعرّضت له من مآزق كبيرة، إنجاز مهم حيث أنك لم تخرج منها مجنوناً أو منتحراً.

بعت كل ما أملك
•    حدّثنا عن الحصار المالي الذي تعرّضت له قبل إنجازك للعمل؟

-    تعرّضت لأزمة مالية كبيرة. وكان من المنتظر أن أفشل وأخرج من الساحة الفنية هذا الموسم لإنهاء فنان اسمه فراس ابراهيم. البعض لا تجذبهم تجربتي الفنية ويتمنّون إنهاءها أو أن تتوقّف هكذا وحدها. الكثيرون تخلّوا عني لعدم قبولهم تجربتي، ولكن كان هناك إصرار كبير مني لإكماله مهما كان الثمن ومن دون تنازلات أخلاقية. والبعض حاول اغتنام الفرصة لابتلاعي في ظروفي الصعبة. الحمدلله لم أنزلق في تمويل يتعارض مع مبادئي وأخلاقياتي. شاهدت مستقبلي يتعرّض للتدمير ولاسيما أن الجميع لم يقفوا معي. والحمدلله أكملت العمل، حيث قمت ببيع كل ما أملكه لتسديد أجزاء من تكاليف العمل. فبعت سيارتي ومنزلي وأرضي لتسديد بعض مستحقّاته. كان المهم عندي أن أبقى وألا أفشل أبداً. للأسف، حتى مؤسسة محمود درويش التي تهتمّ به وبما قدّمه لم تقدم شيئاً للعمل. قلت لهم لا نريد إنقاذ فراس ابراهيم، المطلوب إنقاذ عمل يتحدث عن شخصية فلسطينية مهمة ومن خلالها تناقش قضية فلسطين. وللأسف لم يساعدني أحد. الجهة الوحيدة التي شاركتني بنسبة عشرة بالمئة من قيمة العمل هي قناة "السومرية" العراقية، وأنا مدين لها بما قامت به. العمل كان مكلفاً ووصلت تكاليفه لقرابة أربعة ملايين دولار تضمّنت أجور نجوم العمل من سوريين ومصريين ولبنانيين وأردنيين ومخرج العمل نجدت أنزور وتكاليف بناء القرية التي صوّر بها العمل وأماكن التصوير المختلفة وأيضاً تكاليف السفر والإقامة وأجور الملابس والديكور. فالعمل تضمّن فترات متعدّدة ولكل مرحلة ملابسها وديكورها وغير ذلك. فالعمل كان مكلفاً جداً مادياً.

عن معاناته في بيع العمل للفضائيات العربية بعد الانتهاء من تصويره، خسارته المادية، وعمّا إذا كان راضياً عن نسبة مشاهدة العمل، واسباب الانتقادات المبكرة، ورأيه في إخراج نجدت أنزور للعمل، ورأيه في مسلسل "الشحرورة" وغيرها من التفاصيل في العدد الجديد من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق والمكتبات.