في الوقت الذي ودّع الأتراك في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2010 مسلسل «الأوراق المتساقطة» الذي حصد جماهيرية كبيرة ونسبة مشاهدة مرتفعة، بعد 5 سنوات متابعة على شاشتهم، يعيش المشاهد العربي اليوم ذروة أحداث هذا المسلسل الذي تعرضه قناتا الـ «أم بي سي دراما» و«أم بي سي4» بجزئه الثاني، بحيث استطاع أن يصبح جزءاً من يومياته، إلى جانب عدد من المسلسلات التركية الأخرى التي بات يتابعها الجمهور بشغف كبير. «سيدتي» وعلى عددين متتاليين سوف تستعرض لكم قصة هذا العمل بالإضافة إلى أسراره وكواليسه:
استغرق تصوير «الأوراق المتساقطة» الذي هو من روائع الأدب التركي، 5 سنوات وأبطاله تعايشوا مع القصة فانعكس صدقاً في الأداء. كما أن النجاح المبهر والمشاهدة العالية اللذين حصدهما، تماماً كمسلسل «العشق الممنوع» المأخوذ أيضاً عن رواية تركية، أمر حفّز المنتجين للبحث عن مزيد من الروايات التركية، لتحويلها إلى أعمال درامية، ما جعل سوق الكتب التركية تشهد رواجاً في المبيعات في ظلّ نجاح تلك التجربة. وفي هذا الإطار ذكرت وكالة «أنباء دوغانو» التركية، أن نجاح هذه المسلسلات أعاد الناس إلى المكتبات العامة حيث زاد اهتمام القرّاء بها، خصوصاً جيل الشباب، لمعرفة نهاية المسلسلات هذه المستوحاة من الأدب التركي.
المسلسل مأخوذ عن رواية للأديب التركي رشاد نوري جونتكين، نشرت عام 1939. ويستعرض فيها تغيّرات المجتمع التركي والحيرة والارتباك بين القيم التركية المحافظة والقيم والعادات الغريبة الدخيلة على هذا المجتمع المحافظ. تتناول القصة حكاية أسرة «تكين» المؤلّفة من أب عصامي هو علي بك رضا يك (خليل أرجون). وقد ربّى مع زوجته خيرية أولاده الخمسة: فكرت، نجلا، شوكت، ليلى وعائشة على الشرف والأمانة، وفضّل تقديم استقالته من العمل على قبول الرشى أو التورّط في أية أعمال غير قانونية، بعد تعرّضه لضغوط من رئيسه لإجباره على تقديم تنازلات. فانتقلت العائلة إلى اسطنبول حيث حاول علي بك رضا المحافظة على التزام أبنائه بالقيم والأخلاق التي ربّاهم عليها، رغم الأزمة المادية الخانقة، وضغوط الحياة المختلفة التي عانى منها بعد فقدانه عمله. ويشبّه كاتب العمل التركي رشاد نوري جونتكين العائلة في روايته بالشجرة التي تزهر أحياناً وتتساقط أوراقها أحياناً أخرى. فعلي رضا بك بعد وصوله إلى اسطنبول وترميمه بيت العائلة ودخول ابنته الجامعة، ازدادت ضغوط الحياة عليه، ليدخل في ضائقة مادية خانقة تجعله وعائلته يواجهون أعاصير الحياة التي تهبّ في وجهه، لتملأ الأوراق المتساقطة ناظريه.
لكن، كيف تسقط الأوراق في منزل علي رضا بك؟ تسقط الورقة الأولى عندما يعود الأب علي رضا بك بعد 30 عاماً أمضاها في الأناضول متوجّهاً الى اسطنبول مع عائلته، ليكتشف أن ألقيم والمثل العليا التي ربّى عليها عائلته التي شبّهها بالشجرة القوية الضخمة، بدأت تتساقط واحدة تلو الأخرى. فقد وافق بطل المسلسل علي رضا بك على زواج ابنه الأكبر شوكت الذي كان الأب يعتقد بأنه سيكون سنداً له ويعتمد عليه، إذ ربّاه تربيةً صالحة جعلت منه رجلاً، ولكنه فتن بزميلته في العمل فتون، المرأة الذكية الخبيثة الساعية للوصول لهدفها بشتى الطرق، فأوقعت شوكت في حبّها رغم أنها متزوّجة. وجاءت موافقة علي بك على زواج شوكت بعد صراع شديد دار بداخله، بين نظرة المجتمع لابنه من زواجه من امرأة مطلّقة، وما تفرضه المبادئ والقيم عليه، من ضرورة أن يصلح ابنه الخطأ الذي ارتكبه حينما أحبّ زميلته المتزوّجة وتورّط معها في علاقة، لتبدأ منذ لحظة دخول فتون منزل علي رضا بك، المشاكل واحدة تلو الأخرى، وصولاً إلى حثّ شوكت على لعب الميسر لتلبية رغباتها، كما اضطرّ لسرقة ودائع الزبائن في المصرف الذي يعمل فيه حتى قبضت الشرطة عليه وأودعته السجن.
سبّبت ليلى العار لأهلها بعد أن اغتصبها أوس، الرجل الذي حاول في الماضي رشوة والدها الموظف الشريف. فأوس الذي أصبح شريكاً لرجل الأعمال يمن بك، كان يطعنه في ظهره عبر علاقة مع زوجته جيداء، إلى أن عرفت فتون زوجة شوكت بالأمر، وعمدت إلى تصويرهما معاً، وهدّدت أوس بفضح أمره لدى شريكه يمن بك إذا لم يتزوّج بليلى، وذهبت لمطالبته بمبالغ مالية مقابل صمتها. فانصاع لها وكان زواج ليلى بغياب والدها الذي رفض حضور زفافها.
أما الورقة الثالثة التي سقطت، فكانت نجلا الابنة الذكية العاقلة الناجحة التي أغراها زوج أختها أوس للهرب معه، ضاربة بزواج أختها عرض الحائط، ومتخلّية عن خطيبها جميل ابن العائلة المرموقة والميسورة الذي أحبّها. فكانت الصدمة الثالثة للأب المفجوع بما يمرّ به من ظروف عدا عن ضائقته المالية التي يعاني منها.
أما الصدمة الكبرى له، فكانت من ابنته الكبرى المثالية فِكرت حين تزوّجت دون علم أهلها، لأنها كانت ترى أفراد عائلتها ينهارون أمامها واحداً تلو الآخر، ويقترفون الخطيئة. ولم يعد أحد يحبّذ وجودها في المنزل لأنها كشفت أوراقهم، فذهبت الـى مصيرها وجاءت لتعلم والدها بزواجها من رجل لا تعرف عنه إلا أنه أرمل ولديه 3 أولاد. وهو قريب جارتهم ووالدة سهى التي أحبّت شوكت بصمت.
"الأوراق المتساقطة" مسلسل اجتماعي يطرح الكثير من المشاكل التي يعيشها أفراد المجتمع سيما الطبقة الوسطى، كصراع الحماة والكنّة، الخيانة بين الأزواج، الضائقة المالية التي قد تمرّ بها كل أسرة، شجار الإخوة، لكن لم يسلّط عمل بهذا الشكل الضوء على خيانة الأخت لأختها، كما حصل مع خيانة نجلا لأختها ليلى بعد زواجها من أوس، حيث بنت علاقة مع زوج أختها وهربت معه طاعنة شقيقتها في الصميم، وهي التي كانت تتشاطر معها الغرفة الواحدة. وقد يستغرب المرء ما تُحدثه المسلسلات من أثر في نفوس الجمهور المتابع لها. فإما أن ترتقي به أو تطيح به وبقيمه ومثله العليا التي قد يتهاون بها بعد مشاهدته لأمور وقيم كانت مستهجنة وأصبحت سهلة، وما علينا سوى التمعّن في المسلسل لمعرفة مصير من اختار القيم والأخلاق أمام أعاصير الحياة التي تهبّ في وجهه والتي تهزّ شجرته الغالية، لتهوي بأوراقها الواحدة تلو الأخرى أمام ناظريه. فليلى رغم كل المشاكل التي عاشتها عائلتها بسبب أوس تعود إليه، أما نجلا فتعود وتتزوّج من جميل الذي لم يستطع أن ينسى حبّه لها، لكنه يصاب بالمرض ويدخل المستشفى ويفارق الحياة. أما الحلقات الأخيرة من «الأوراق المتساقطة» فستحمل مفاجآت متعدّدة، ستكون أغلبها حزينة للمشاهد الذي أحبّ هذه العائلة وتابع يومياتها. فالأب علي رضا سيتعرّض لأزمة صحية تؤدّي إلى إصابته بالشلل، ثم إلى موته في الحلقة الأخيرة بمؤامرة من أوس. فتقرّر العائلة ترك المنزل الكبير، حيث عاشوا حياتهم: الوالدة خيرية، الابنة ليلى، الابنة الصغرى عائشة والابن شوكت (الذي ينفصل عن زوجته فتون، والذي يتمّ استبدال الممثل الذي يلعب دوره في الحلقات الأخيرة). ويسافرون إلى خارج بلدتهم في مشهد مؤثّر جداً حيث تركض خلفهم الابنتان نجلا وشقيقتها فكرت، اللتان تنفصلان عن العائلة وتقرّران العيش في البلدة نفسها. الأمر المفرح الوحيد الذي يحصل هو زواج فكرت الذي يصبح متيناً أكثر، خصوصاً أن علاقتها مع زوجها وحماتها تصبح أفضل مع مرور الوقت. كما أن سهى، جارة عائلة علي رضا، تتزوّج من شابٍ تتعرّف إليه ... وينتهي المسلسل بعبارة: تتغيّر المواسم على كل شجرة عائلة، فأحياناً تتفتّح الأزهار وأحياناً أخرى تتساقط الأوراق. أما الأغنية التي ينتهي بها المسلسل والتي يشدو بها الفنان Toygar Isikli تويجار إشكلي، الذي سبق وغنّى لمسلسل «دقات قلب» Dudaktan Kalbe فلها معانٍ رائعة تقول كلماتها:
تتساقط الأوراق في الخريف، قبل أن يصل النهار إلى الليل، ترتفع الأتربة في هذه المدينة، فقط لتتحدّى الوحدة، ويتغيّر المناخ، لاحظ كيف ينتهي اليوم مرّة أخرى، ويختفي الغد إلى قلبي، كل موسم هو خريف بالنسبة إلي، أربعة جدران لا مفر.