شيرين تعيد البوصلة للأغنية المصرية الحديثة، بعد أن وجّهها عمرو دياب وتامر حسني (غرباً) دونما نتيجة تذكر، سوى أن الاثنين يريدان تسجيل أسمائهما في عالم (التكنو) الذي لم يخرجهما من القاهرة حيث قدّما أعمالهما الغنائية الجديدة ـ وبرغم كل محاولاتهما في تغيير ملامحهما من خلال ملابسهما وقصّات شعرهما واستخدامهما للغة الإنكليزية في دعم أغانيهما سيبقى جمهورهما هو ذاته... ولن يكونا يوماً في مصاف المغني العالمي ريكي مارتن أو المغني التركي تركان وإن كان لعمرو دياب بعض القفزات ذات الطابع العالمي، لكنه سرعان ما كان يعود إلى القاهرة ليحظى بإعجاب محبّيه الذين أطلقوا عليه لقب "الهضبة"...
شيرين في ألبومها "اسأل علي"، تمنحنا وقتاً للاستمتاع بالموسيقى ووقتاً للتعرّف على خامة صوتها الدافئة، وإن كنت لا أحبّذ شيرين في المقابلات التلفزيونية التي تفرّط بها (بشعبويتها) وتدخل عالم المشاهير من النجمات اللواتي يطلقن تصريحات الإثارة والتعرّض لمطربات أخريات بثرثرات مثل: "فلانة سلمت... وفلان ما سلمتش" و(مين ديه ومين ده).. وكلام من هذا القبيل..
هذا لا يقلّل من موهبة هذه الشابة التي دخلت عالم الفن من شوارع القاهرة وهذا لا يعيب الفنان الشعبي. فكبار مطربي مصر (غرفوا) من إيقاعات الشوارع المصرية التي تنضح فناً وخفة ظل ومسرحاً للحياة بأشكالها المختلفة.
في أحد الفيديوهات المصوّرة تظهر شيرين الصغيرة تغني في حي فقير لمجموعة من العاطلين عن العمل، ويبدو البؤس على كل ما هو محيط، وليس سوى صوت تلك الطفلة الذي يعيد مجد أم كلثوم من خلال (زقاق) يجمّل كل علامات الفقر والقهر ولا يعلم بماذا تفكّر هذه الصغيرة وإلى أين سيصل طموحها.
صعود شيرين كان طبيعياً ومنطقياً، فمن الحي الشعبي انطلقت إلى دار الأوبرا المصرية تحت قيادة سليم سحاب، أحد أبرز الموسيقيين العرب الذي اختار مصر ليمارس علومه الموسيقية على أرض خصبة مليئة بالمفاجآت الفنية.
تترك شيرين في ألبومها دائماً مجموعة من الأغاني لجمهورها ليحملها معه في حالاته النفسية المتعدّدة، فمنها الفرح ومنها الرومانسي ومنها الحزين الجميل الذي يذكّر بضعف الإنسان وخاصة ذلك الحبيب المنكسر الباحث في ذاكرة النسيان، أو بين بقايا الذكريات عن قليل من الحب. فيجده في صوت هذه المصرية بكل سمارها و(شقاوتها).
(والنبي لو جاني) هي الأغنية الأكثر إيقاعاً والتي تنتسب إلى الأغنيات التي تسجّلها شيرين للباحثين عن الإيقاع المنسجم مع الصوت والكلمات التي تجذب الجنس اللطيف الراغب في تحديد مواقف عاطفية صلبة وإن كانت الأغنية تصنّف خفيفة قابلة لدخول التوب تن ..
(لو لسة باقي) أغنية تمنح سامعها رحلة مجانية نحو عالم رومانسي غير مستهلك، (خليني حس انك حبيبي بتاع زمان) صولو الغيتار المنسجم كلياً مع صوت شيرين الغارق في حالة من الإحساس يحتاجه السامع بعد كل هذا الهدير... الجميل في هذه الأغنية أن اللحن يسير بشكل هارموني مع (المغنى) ليأتي الغناء كخط منفصل ضمن خطوط التوزيع الموسيقي.
(ده مش حبيبي) تنتسب للغناء الدارمي حيث يأتي صوت شيرين مشكّلاً مشهداً لانكسار عاطفي كامل، يحمل معطيات الكثير من الرسائل الخاصة الموجّهة للمستمع (ده كان حبيبي/ يبكي لو شاف دمع بعنيا) صوت الكمنجات المكثّف وانفعال الصولو لصوت الكمان الكهربائي زاد من الجرعة الدرامية في إيصال الرسالة التي تحملها هذه الأغنية.
(نفسي أعرف ليه ما بأتش احبك زي الأول) في الإطار الدرامي أيضاً تدخل هذه الأغنية مراهنة على القدرة الحسية لدى هذه المطربة المتفاعلة مع أشعار أغنياتها، وهي كلمات قادمة من عمق المجتمع المصري المنسجم مع تراث غنائي عاطفي رسم صورة للحب تبدو أكثر رومانسية من تجارب بعيدة عن أرض الكنانة مصر.
(أعصابه ثلاجة) أغنية خفيفة لا بدّ منها في ألبوم يضمّ هذا العدد من الأغاني. تنتسب هذه الطقطوقة الحديثة إلى عالم الغناء الشعبي الحديث إنما بلهجة أنثوية مفرطة.
(مسؤولة منك) عودة إلى أساليب حقّقت للمطربة نجاحاً في أعمالها السابقة كتجربتها في أغنية (أنا في الغرام)، هذا اللون كان قد حقّق لشيرين شعبية كبيرة فهو يمتاز بسرعة الإيقاع وبنغمة قريبة للأذن، وهذان سببان كافيان لتكون الأغنية ناجحة بالمفاهيم الحديثة.
أغنية الألبوم والتي تحمل اسم المنتج الغنائي لشيرين (اسأل علي) تعيدنا إلى إنتاجات وردة أو فايزة أحمد من حيث المقدّمة الموسيقية التي كانت تشير إلى أهمية ما سيرد من أشعار وألحان ضمن الأغنية.. (اسأل علي) لحن مصري صرف يحتوي عدة حالات إنسانية وأجواء موسيقية من الغناء الحر ومن الإيقاع الهادئ ثم إلى الإيقاع المقسوم وكل هذه عوامل مرتبطة بنغمة جذّابة تصنّف ضمن الأعمال السمعية.
في هذا الألبوم (خلطة) ناجحة ومدروسة يمكنها أن تنافس عدداً من المطربين والمطربات، وهو رسالة للفنانة إليسا التي تسعى إلى مصر للحصول على أشعار وألحان ساهموا بنقلة نوعية في أعمالها الأخيرة ذات الطابع الرومانسي، واليوم ستكون في مأزق بعد خروج ألبوم شيرين الجديد 2012، فالمنافسة ستكون في أوجّها وهذا ما سيدفع بالعديد من الفنانات إلى هذا النهج على الأقل في الشهور القادمة.