خلق الله تعالى الإنسان وغرس في داخله بذرة الحبّ والبحث عما يحبّ والسّعي إلى امتلاكه، والابتعاد عما يكره ويبغض، ونعلمُ أنّ الإنسان الحكيم هو من يضعُ بذرة الحبّ هذه في بستان غيره، كما يضعها في بستانه؛ لتنمو وتُزهر وتُنتج ثماراً من العطاء والإنسانية، كأن يحبّ لغيره ما يحبّ لنفسه من رزقٍ وخيرٍ ورفعةٍ، يقدّم المساعدة بكلّ رحابة صدرٍ، كما يتمنّى أن يقدّمها له الغير عند حاجته لها، يرضى منهم ما يرضاه لنفسه، يتذوّق كلماته قبل أن ينطقها، فإن أعجبه مذاقها تكلّم بها وإلا احتفظ بها في داخله؛ حتى لا تكون سهماً يُدمي القلوب أو أشواكاً تخدش أحاسيس الآخرين، يقول ما يرغب أن يُقال له وتسمعه أذنه، من طيب الكلام وحلوه، يرضى لغيره ما يرضاه لنفسه، يعاملهم بالحسنى واللّين ويتحلّى بالحكمة، فيغدو أسلوبه طريقاً لصناعة الشخصية الجاذبة التي بدورها تُصبح جسراً يصل بين القلوب، مرآةً لغيره، يُحسن إليهم ويبادلونه إحساناً، يُنصِف فيُنصَف، يَرحَم فيُرحَم، يُساعِد فيُساعَد حين يحتاج المساعدة.
إنَّ عمل الخير وتقديم العون والمساعدة للآخرين لا يتطلّب المقابل جرّاء ذلك، بل على العكس، هو حقيقة فطرية، تبدأ من حبّ الشخص لذاته ليرتقي ويتسامى ويصلّ إلى حبّ الخير للآخرين، وبالتّالي ينال درجة عالية من درجات الإيمان.
وكما يُقال: إنّ الدنيا دوّارة، ما تزرعه اليوم تحصده غداً، انظر إلى غيرك بالعين التي تنظر بها لنفسك، ولو تخيّلنا أن هذه الطريقة أو هذا الأسلوب يسود بين الجميع ويتمّ تطبيقه في كل المجتمعات لسمت البشرية نحو درجات الكمال، وتبوّأت أعلى مراتب الإنسانيّة، وبالمقابل فإنّ مَنْ رَفَعَ شعارَ نفسي نفسي سيكون مصيره القاع والانحطاط، لأنّ الأمم لا تزدهر إلا بتكاتف أبنائها يداً واحدة، والأمثلة على ذلك كثيرة ومن واقع الحياة اليوميّة، فالشّخص الذي يعيق مرور سيارة الإسعاف ليستغلّها ويخرج من أزمة المرور الحاصلة غيرَ مدركٍ للخسائر التي يتسبب بها تصرفه الخاطئ قد يودي بحياة شخص عزيز على أهله، وقد حدثت هذه القصّة فعلاً، إذ عرقل أحدهم مرور سيارة الإسعاف بضع دقائق متفاخراً بنفسه بأنه فعل شيئاً فريداً من نوعه ليكتشف فيما بعد أنّ من كان داخل سيارة الإسعاف هو والده، وبسبب منع السيارة من الوصول إلى المشفى في الوقت المناسب كان سبباً بخسارة أعزّ الناس على قلبه، وبدأ يندب حظه وتفكيره السّيء الذي كان السّبب فيما وصل إليه، وأيضاً من يمنع مرور سيارة لطريق فرعيّ ويتجاهل ضرورة ذلك سيتعرّض للموقف نفسه ويكون أحدهم سبباً بعرقلة مروره، فالدّنيا دوّارة، وكما تدين تُدان، لذا وجُب على كلّ فردٍ عاقلٍ أن يعامل الآخرين كما يحبّ أن يعاملوه وذلك من علامات الإيمان والحديث الشريف أكبر دليلٍ على ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه)، وبالتّالي ترقى الأمم وتزدهر.