أمثال كثيرة تطرأ على مسامعنا لم نسمعها من قبل، تجعلنا نوليها بعض الاهتمام، ونتبحّر في معانيها، ومنها ما تُخبّئه كلمات هذه الجملة من معانٍ ذهبيّة، "اشتر بالفضّة وغلّف بالذّهب"، فالإنسان المتواضع لا يتفاخر بما يملك من أشياء باهظة الثّمن ولا يُباهي بها الآخرين، وخاصة إن لم يكن بمقدورهم اقتناء مثلها، فلكلّ إنسان قدرته وإمكاناته الشّرائيّة المحدّدة، الأشياء الثّمينة لا تعني الجمال والرّوعة في حين أنّ مثيلتها الأقلّ سعراً تعني أنّها أشياء غير مفيدة، وهذا المفهوم خاطئ يستحوذ على عقول الكثيرين، فكم من أشياء تتبدَى لنا صغيرة ولكنّ أثرها ومفعولها كبيرٌ جداً، ولا يمكن الاستغناء عنها.
البعض إن أراد تقديم هديّة معيّنة جاب الأسواق بحثاً عن الأغلى، وتحمّل سعراً يطير في الفضاء، ظناًّ منه أنّها ستليق بمكانته، فيقدّمها للشّخص بطريقة لا تحمل بين طيّاتها أدنى تعابير المحبّة والودّ سوى أنّه اختار أغلى هديّة في السّوق، وبالمقابل شخصٌ آخر اشترى هديّة بسيطة جميلة ناعمة وغلّفها بغلاف الحبّ والتّقدير وقدّمها بطريقة لبقة جذّابة، جعلت متلقّيها يشعر وكأنّها أجمل هدية قُدّمت له في حياته، وشتّان بين الطّريقتين السّابقتين، فالأولى على الرغم من غلاء ثمنها إلّا أنّها فقيرة بالمشاعر الجميلة، فصاحبها لم يعطها اهتماماً، وبالتّالي من أخذها وجدها غير جميلة، فبليت بسرعة على عكس الهديّة الثّانية المقدّمة بحبّ وسعادة مصحوبة بدعاء البركة، فاعتنى بها منحها أهمّيّة وبعضاً من وقته، ينظّفها، يرتّبها، يضعها في مكانها المناسب فدامت لديه سنوات كثيرة من دون أن تبلى، ما يبرهن على أنّ الأشياء حتى وإن كانت بسيطة ولكن غُلّفت بالحب والاهتمام وتزيّنت بدعاء البركة دامت طويلاً، فالاهتمام والدّعاء بالحبّ والبركة يُطيل عمر الشّيء، وهذا سرّ أنّ أجدادنا القدماء عاشوا طويلاً، ومقتنياتهم ما زلنا نستخدمها حتّى يومنا هذا، فقد اعتنوا بأشيائهم ومنحوها الحبّ والاهتمام كأنّها طفل من أطفالهم، فبارك الله لهم بها، ولذا ندعو لمن نحبّ بالبركة بطول العمر وللأشياء بالبركة، فنقول: بارك الله لك بالشّيء الفلانيّ.
لذا أعزّائي، فلنجعل ألسنتنا تلهج بالدّعاء، وأن نعتني بأقلّ الأشياء ثمناً، كالعطر والحذاء واللّباس والمقتنيات اليوميّة البسيطة المستخدمة بشكل عام، لأنّها من نعم الله تعالى علينا، فوجب علينا شكره وذلك بأن نحبّ ما وهبنا، وهنا نجد أنّ علم الذّكاء العاطفيّ يدعو ويحثّ على تعلّم حبّ الأشياء ومنحها قليلاً من الاهتمام، فتغدو أشياء كبيرة تحيطها البركة من كلّ الجوانب، فاشتر أشياءك ولو بثمن زهيد وغلّفها بالذهب، فتباهي النجوم بقيمتها، وقس على ذلك العلاقات مع الآخرين، فإن كانت علاقتك مع من حولك بسيطة قوّها بالحب، وامنحها الأولويّة والاهتمام، ستغدو بعد ذلك أمتن وأقوى العلاقات، ذلك لأنّنا من نعطي الأشياء أهمّيّتها وقيمتها لا العكس، وملخّص حديثنا: اشترِ بالفضة وغلّف بالذهب.