الإحسان‭ ‬والصّداقة‭ ‬الحقيقيّة

الدكتورة مايا الهواري
مايا الهواري  
مايا الهواري  

‭ ‬يتبوأ‭ ‬الإحسان‭ ‬مكانة‭ ‬مرموقة،‭ ‬وقد‭ ‬عرّفه‭ ‬النّبيّ‭ ‬الكريم‭: (‬الإحسان‭ ‬أن‭ ‬تعبد‭ ‬الله‭ ‬كأنّك‭ ‬تراه‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تراه‭ ‬فإنّه‭ ‬يراك‭).‬
أي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عملُ‭ ‬الإنسان‭ ‬خالصاً‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬عملاً‭ ‬مليئاً‭ ‬بالنّبل‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالفضل‭ ‬الجميل،‭ ‬علماً‭ ‬أنّ‭ ‬الإحسان‭ ‬يُعتبر‭ ‬طريقاً‭ ‬لكسب‭ ‬القلوب‭ ‬ونزع‭ ‬الحقد‭ ‬منها،‭ ‬فالله‭ ‬تعالى‭ ‬يغفر‭ ‬الذّنوب‭ ‬ويتوب‭ ‬على‭ ‬الظّالم،‭ ‬كما‭ ‬أمرنا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بالإحسان‭ ‬قولاً‭ ‬وعملاً،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬المحرّمات‭ ‬سرّاً‭ ‬وعلانية،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وأحسنوا‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحبّ‭ ‬المحسنين‭).‬
إنّ‭ ‬للإحسان‭ ‬صوراً‭ ‬عديدة‭ ‬وكثيرة،‭ ‬كالإحسان‭ ‬في‭ ‬القول،‭ ‬والإحسان‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والواجبات،‭ ‬وقصص‭ ‬الإحسان‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬منها‭ ‬نأخذ‭ ‬العبر‭ ‬والدروس‭ ‬ونستشعر‭ ‬معنى‭ ‬الإحسان‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬عبادة‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬أفضلَ‭ ‬عبادة،‭ ‬والشعور‭ ‬بمراقبته‭ ‬لنا،‭ ‬ممّا‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقوم‭ ‬بالأعمال‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬وجهٍ،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬الإحسان‭ ‬إلى‭ ‬العباد‭ ‬والأخذ‭ ‬بيدهم،‭ ‬ودعوتهم‭ ‬للتّعرّف‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬وعبادته،‭ ‬وتعليمهم‭ ‬ما‭ ‬ينفعهم‭ ‬دنيا‭ ‬وآخرة‭.‬
الإحسان‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬محدّدين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬مع‭ ‬كلّ‭ ‬قريب‭ ‬وبعيد‭ ‬تربطنا‭ ‬به‭ ‬صلة‭ ‬قرابة‭ ‬أو‭ ‬لا،‭ ‬فالإحسان‭ ‬يسمو‭ ‬بصاحبه‭ ‬كثيراً،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬الصّداقة‭ ‬الحقيقية‭ ‬تعلو‭ ‬وترتفع‭ ‬بمن‭ ‬يتمتّع‭ ‬بها‭ ‬نحو‭ ‬درجات‭ ‬الكمال،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الصّداقة‭ ‬والإحسان‭ ‬متشابهان،‭ ‬كلّ‭ ‬منهما‭ ‬يضمّ‭ ‬بين‭ ‬طياته‭ ‬أجمل‭ ‬معاني‭ ‬الصّدق‭ ‬والوفاء،‭ ‬وبالتّالي‭ ‬تصبح‭ ‬العلاقة‭ ‬علاقة‭ ‬لا‭ ‬تقدّر‭ ‬بثمن،‭ ‬ولا‭ ‬تُباع‭ ‬ولا‭ ‬تشترى،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬سكينةُ‭ ‬قلبٍ‭ ‬مثقل‭ ‬بالهموم‭ ‬يرمي‭ ‬بحِمْله‭ ‬على‭ ‬قلبِ‭ ‬صديقٍ‭ ‬لا‭ ‬يخذله‭ ‬أبداً،‭ ‬يرسم‭ ‬على‭ ‬ثغره‭ ‬ابتسامة‭ ‬رائعة‭ ‬تمنحه‭ ‬الثقة‭ ‬والأمان‭.‬
الصداقة‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬بمدى‭ ‬قربِ‭ ‬الصديق‭ ‬أو‭ ‬بُعد‭ ‬المسافة‭ ‬بينهما،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬صديقٍ‭ ‬تفصله‭ ‬عن‭ ‬صديقه‭ ‬ملايين‭ ‬الكيلو‭ ‬مترات‭ ‬إلا‭ ‬أنهما‭ ‬قلبٌ‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬جسدين،‭ ‬يشعر‭ ‬كلّ‭ ‬منهما‭ ‬بالآخر،‭ ‬كالقلب‭ ‬والعين‭ ‬إن‭ ‬حزن‭ ‬القلب‭ ‬دمعت‭ ‬العين‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬إن‭ ‬حزن‭ ‬القلب‭ ‬دمعت‭ ‬العين،‭ ‬كالشّجرة‭ ‬والجذور‭ ‬لا‭ ‬ينفصلان‭ ‬أبداً،‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الوطيدة‭ ‬بين‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لا‭ ‬تقدّر‭ ‬بالسنين،‭ ‬بل‭ ‬بالمواقف‭ ‬الجبّارة‭ ‬الصّادقة‭ ‬تكون‭ ‬برهاناً‭ ‬واضحاً‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قوّة‭ ‬صداقتهما،‭ ‬فالصّديق‭ ‬الوفيّ‭ ‬ثروة‭ ‬باهظة‭ ‬لا‭ ‬تقدّر‭ ‬بثمن‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬التّفريط‭ ‬بها،‭ ‬وخيرُ‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬الصّداقة‭ ‬هو‭ ‬قول‭ ‬الشافعي‭:‬
صادق‭ ‬صديقاً‭ ‬صادقاً‭ ‬في‭ ‬صدقه

                     ‬صِدقُ‭ ‬الصّداقة‭ ‬في‭ ‬الصّديق‭ ‬الصّادق

سلامٌ‭ ‬على‭ ‬الدّنيا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بها

                      ‬صديقٌ‭ ‬صادقُ‭ ‬الوعدِ‭ ‬منصفا

فكن‭ ‬صديقاً‭ ‬مُحسناً‭ ‬كأنك‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬ضياء‭ ‬الشّمس‭ ‬ودفئها‭.‬