التّفرقة بين الأبناء

الدكتورة مايا الهواري
مايا الهواري
مايا الهواري

الأولاد زينة الحياة الدّنيا، وهَب الله البنين للبعض كما وهَب البنات للبعض الآخر، كما وهَب الاثنين الأولاد والبنات، ولله الحكمة في ذلك. ونعلم جميعاً أنّ الآباء قدوة لأبنائهم، إذ يقلّد الأبناء تصرّفات والديهم وأفعالهم وحركاتهم، وذلك بسبب العلاقة الوطيدة الّتي تربطهم وتؤثّر على نفسيّتهم إمّا سلباً وإما إيجاباً، وتأتي هذه الإيجابيّة أو السّلبيّة من طريقة التّربية الصّحيحة والاعتناء بهم بشكلٍ واعٍ، وتوجيههم الوجهة الصّحيحة من دون تفريقٍ بينهم، ذكوراً كانوا أم إناثاً، ما يزيد تعلّق الأبناء بآبائهم، ولكن نجد بعض الآباء يدسّون عروق التّفرقة بين أبنائهم من دون دراية منهم بذلك، فيفرّقون بينهم في الحبّ والتّربية والاهتمام والعطاء والمعاملة، وحتّى في المشاعر تجاههم، ولعلّ تعدّد أسباب التّفرقة، تكمن في كون الطّفل من الجنس غير المرغوب فيه، إذ تميل مجموعة من النّاس في بعض المجتمعات للإناث من منطلق ضعفهن وتطبيقاً لـ (رفقاً بالقوارير) وأنهم يرونهن المؤنسات الغاليات، كما وصّى بهم نبيّ الأمّة محمّد عليه الصّلاة والسّلام، بالمقابل نجد مجتمعات أخرى ترجّح كفّتها للذكور بحجة أنّهم القوّامون، وتتفاوت درجات التّفرقة هذه بينهم، أيضاً البعض نظرتهم محدودة يميلون للأطفال الأذكياء ممّن يتمتعون بقدر من الجمال وامتلاكه روح الدّعابة، هذه الصّفات هي موهبة من الله تعالى لا يد للإنسان بذلك، فما ذنب الطّفل إن كان مصاباً بمرضٍ معيّن أو إعاقة جسديّة أو أيّ صفة غير مرغوبة، فهو كائن بريء لا يتمنى أن يمتلك ما يمتلكه من هذه الصّفات، فيصيب الحزن والاكتئاب قلبه، فلا تكن أيّها الإنسان صدمًة ثانية لهذا الطّفل، تزيد همّه همّاً وألمه ألماً، بل كن بلسماً ودواءً لجراحه ومضخّة أملٍ ليتجاوز بها ألمه.

هنا يكمن الدّور الأساسي للوالدين بزرع بذور الثّقة في نفوس أبنائهم وعدم تفرقتهم وتمييزهم في التّربية والمحبّة.

يقال إن شعور المحبّة ليس بيد الإنسان، فالأم تحبّ أولادها جميعاً ولكنّ قد تميّز أحدهم بمحبّتها زيادة على غيره، وهنا وَجَب التّنويه ألّا تُظهر ذلك أمام الأخوة علناً، حتى لا تتسلّل الغيرة والحقد لقلوبهم وتتملك الأنانية قلوبهم، وهنا تقع مسؤوليّة الأبناء على الآباء ألّا يميّزون فيما بينهم، بل يبثّون فيهم روح الأخوّة والمساواة والحنان والتّعاطف، حتى ينشأ جيل سويّ مستقيم واثق من نفسه، محبّ لغيره، وألا يتمّ تمييز الأنثى عن الذّكر، بل الكل على حدّ سواء، يتمتّعون بالقدر نفسه من الرّعاية، مع الانتباه إلى أنّ الأنثى تميل لوالدها والولد يميل لأمّه، وهذا أمر طبيعيّ جدّاً، المهمّ هنا هي محبّة بعضهم البعض، لذا ينبغي على الآباء أن يتحكّموا بمشاعرهم تجاه أبنائهم والعمل على رفع معنويّاتهم وقيمتهم تجاه أنفسهم حتّى ينعكس ذلك على نفسيّتهم وتعاملهم مع أبنائهم في المستقبل، وبالتّالي يسهم ببناء جيل صاعد يسعى لازدهار مجتمعه وتطوّره.