الحر فكرة

أحمد العرفج

قبل سنوات أطلقت نظريةٌ تقول إن: "الحر فكرة"، ومازال الناس بين مؤيد ومعارض، وهناك نوع ثالث الذي لم يقبل أو يرفض بل يطلب التوضيح، وهذه الفئة هي التي أقصدها بهذا المقال.

عندما نقول: "الحر فكرة" فنحن لا نلغي درجة الحرارة، بل نقصد صرف اتجاه الذهن وانتباهه وتركيزه من الاهتمام بالحر إلى الاهتمام بأشياء أخرى، وهذا بالطبع سيقلل من درجة الحرارة، لأن قانون التركيز واضح وصريح ويقول: "إن ما تركز عليه يزداد"، دعونا نأخذ هذا المثال لتوضيح الفكرة، عندما تسافر مع صديق وتتحدث معه أثناء الطريق بأحاديث ممتعة وجذابة، تشعر بأن الوقت يمر سريعاً، وتصل إلى وجهتك من دون أن تشعر، بينما إذا كنت تركز على الطريق يطول، وهذا ما عناه المتنبي حين قال:

نَحْنُ أدْرَى وَقد سألْنَا بِنَجْدٍ       أطَوِيلٌ طَرِيقُنَا أمْ يَطُولُ

إن الإنسان إذا ركز على شيء وانغمس فيه نسى من حوله، بل قد ينسى حتى الألم، وفي التراث هناك قصة مثيرة تدل على ذلك، وإليكم القصة التالية: "سافر عروة من المدينة إلى دمشق، وفي الطريق بوادي القرى أصيبتْ رجلُه بأَكَلَةٍ، ولم يَكَد يَصِل دمشق حتى كانت نصفُ ساقه قد تلِفتْ، فدخل على الخليفة الوليد بن عبدالملك، فبادر الوليد باستدعاء الأطبَّاء العارفين بالأمراض وطرق علاجها، فأجمعوا على أن العلاج الوحيد هو قطعها قبل أن يَسريَ المرض إلى الرِّجل كلِّها حتى الوَرِك، وربما أكلتِ الجسمَ كله، فوافق عروةُ بعد لأْيٍ على أن تُنْشَر رِجله، وعرض عليه الأطباء إسقاءه مُرْقِداً؛ حتى يغيب عن وعيه فلا يشعر بالألم، فرفض عروة ذلك بشدة قائلاً: لا والله، ما كنت أظن أحداً يشرب شراباً، أو يأكل شيئاً يُذهِب عقلَه، ولكن إن كنتم لا بُدَّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة؛ فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به، فقطعوا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي؛ احتياطاً ألا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي، فما تضوَّر ولا اختلج، فلما انصرف من الصلاة عزَّاه الوليد في رجله، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحداً، ولئن كنتَ أخذتَ فقد أبقيتَ، وإن كنتَ قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ، فلك الحمد على ما أخذتَ وعلى ما عافيتَ، اللهم إني لم أمشِ بها إلى سوء قطط".

في النهاية أقول:

يا قوم تأكدوا أن "الحر فكرة" وكلما تجاهلتموه خف عليكم، أما إذا ركزتم عليه فسيتثبت بكم ويستولي على أفكاركم وأجسادكم.