صحيح أن الشعر العربي أعطانا بعض الحكمة، وصحيح أنه حفظ بعض الجوانب من مفردات اللغة العربية، وصحيح أيضاً أنه أورثنا جزءاً كبيراً من الأساليب اللغوية فائقة الجودة، ومحكمة السبك والصياغة، وصحيح أيضاً أنه منحنا بعض الصفات التي تدل على الرجولة والنبل والمروءة، وأيضاً لا ننسى أنه سرب إلينا الكثير من القصص والحكايات التي نديرها في مجالسنا ونعمر بها أوقاتنا.
كل هذا صحيح ولكن؛ أكبر جريمة من الجرائم الكبرى التي أورثنا إياها الشعر، أنه شرعن التسول وأصل الشحاذة، وسن طريقةً للاستجداء والترخص ومديح الآخرين من أجل كسب المال والحصول على الثروة.
وحتى يتضح المقال إليكم هذا المثال:
عندما تولى الخليفة "عمر بن عبدالعزيز" الخلافة، جاءت وفود الشعراء إليه لتهنئته، وكان من بينهم جرير حينها وقال:
إِنَّ الَّذي بَعَثَ النَبِيَّ مُحَمَّداً
جَعَلَ الخِلافَةَ في الإِمامِ العادِلِ
وَلَقَد نَفَعتَ بِما مَنَعتَ تَحَرُّجاً
مَكسَ العُشورِ عَلى جُسورِ الساحِلِ
قَد نالَ عَدلُكَ مَن أَقامَ بِأَرضِنا
فَإِلَيكَ حاجَةُ كُلِّ وَفدٍ راحِلِ
إِنّي لَآمُلُ مِنكَ خَيراً عاجِلاً
وَالنَفسُ مولَعَةٌ بِحُبِّ العاجِلِ
وَاللَهُ أَنزَلَ في الكِتابِ فَريضَةً
لِاِبنِ السَبيلِ وَلِلفَقيرِ العائِلِ
في النهاية أقول :
هل مازال الشعر طريقةً للتكسب، أم أن الطرف الآخر الممدوح، اكتشف أن الشعراء يقولون مالا يفعلون، وأنهم بكل وادٍ يهيمون..!؟