ماغريت غوغنهايم المعروفة باسم بيغي لم تكن تعلم أن رحلتها في البحث عن ذاتها ستجعلها أيقونة وأهم راعية للفن الحديث. كانت بيغي من عائلة غنية، والدها أحد الضحايا الغارقين في السفينة الشهيرة تايتنك عام 1912، وبعدها قررت مارغريت ألا تعيش حياة بورجوازية، وأصبحت تعيش حياة بوهيمية وهذه كانت أول مراحل البحث عن ذاتها.
بدأت في بداية شبابها العمل متدربة بلا راتب كمساعدة في مكتبة تعد أول المكتبات التي تمتلكها امرأة في ذاك الوقت، وكانت المكتبة مكان التقاء للكتاب والمفكرين ومكاناً لعرض أعمال بعض الفنانين الناشئين آنذاك، وعند بلوغها السن القانوني في عامها الواحد والعشرين ورثت والدها ولم ترد العيش كفتاة وارثة؛ بل بدأت في شراء الأعمال الفنية ومساعدة الفنانين غير القادرين مادياً.
في عام 1920 انتقلت بيغي للعيش في باريس وبدأت شغفاً للفن الأوروبي الكلاسيكي بما فيه فن عصر النهضة، وكانت تتنقل في السفر بين المدن والقرى الأوروبية لرؤيته عن قرب. أصبحت بيغي صديقة لعدد من الكتاب، ولكن نقطة التحول في حياتها كانت لقائها الفنان مارسيل دوشامب الذي كان له الفضل في فهمها للفن الحديث وأصبح صديقها الدائم والداعم لمشاريعها الفنية المستقبلية.
أسست جاليري في لندن عام 1938 بمساعدة دوشامب وعلى الرغم من أن الجاليري لم يحقق نجاحاً مادياً في البداية إلا أنه جذب الاهتمام. الجدير بالذكر أنه شهد أول معرض فردي لفاسيلي كاندينسكي في بريطانيا، كما أنه ضم معارض جماعية بمشاركة هنري مور وجورج براك وبيكاسو وغيرهم وبدأت في الاقتناء منهم. آنذاك راودتها فكرة إنشاء متحف كمسار أفضل لدعمها للفن وبدأت تخطط لإنشاء متحف للفن المعاصر في لندن ولكن الحرب العالمية الثانية جعلت الكثير من المقتنين يبيعون مقتنياتهم هرباً من الغزو الألماني. وأثناء وجودها في باريس اقتنت بيغي من سيلفادور دالي وشاغال وميرو وبول كلي وغيرهم من رواد الفن الحديث وبقيت في باريس حتى أمكنها نقل مقتنياتها في صندوق كبير من دون الكشف عن محتوياته حيث صنف كأثاث منزلي خاص وأصبح بإمكانها الانتقال إلى نيويورك مع مقتنياتها وهناك بدأت البحث عن فناني أميركا واكتشفت جاكسون بولوك وأسست الجاليري الشهير (فن هذا القرن) وشهدت تلك الفترة نهضة في المشهد الفني هناك خصوصاً مع انتقال الكثير من فناني أوروبا إلى نيويورك هرباً من الحرب العالمية.
انتقلت بيغي بعدها للعيش في فينيسيا من عام 1947 وعرضت في البينالي مجموعة للفن الأميركي الحديث منهم روثكو وبولوك وغيرهم وبقيت هناك حتى وفاتها عام 1979.
على الرغم من شخصية بيغي الجدلية، إلا أنها أثرت العالم بنشاطاتها ومقتنياتها وقادت الحركة التشكيلية الحديثة. كما أن مجموعتها تشكل جزءاً كبيراً من مقتنيات متحف غوغنهايم الذي أسسه عمها سولومون ليصبح بدوره من أهم المتاحف في العالم.