مرت سنوات قليلة على إنشاء مؤسسة مسك الخيرية، ومن ضمنها مسك للفنون، التي روت ببرامجها أرضاً عطشى أتاحت للفنانين فرصاً وفيرة في فترة وجيزة.
من خلال متابعتي لـ "مسك للفنون" خلال العامين الماضيين، وبالتحديد تحت إدارة الرئيسة التنفيذية، ريم السلطان، أبهرني التطور والنضوج لبرامج مسك للفنون، التي أصبحت تركز أكثر على التعليم والتبادل الثقافي، وذلك أساس أي نهضة فنية.
فقد أدركت المؤسسة أن الوعي الفني الثقافي لا يكون عن طريق تنظيم المعارض الفنية فقط، بل ببرنامج متكامل يشمل الإقامة الفنية والمنح الفنية.
منذ إعادة افتتاح صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون، باسم "مساحة"، لاحظت نضوجاً فنياً باختيار وتنفيذ البرامج. وهذا ما نؤمن به كعاملين في القطاع الفني، فمقياس نجاح أي مؤسسة فنية يعتمد على المحتوى والبرامج المدروسة، التي تعد المؤثر الأكبر في الوعي المجتمعي. القاعة اليوم تضم مساحة على أعلى مستوى لعرض الفنون، ومكاناً لمتحدث أو متحدثة بشكل أسبوعي لمشاركة خبراتهم وتجاربهم، واستوديوهات للإقامة الفنية، لتشكل منصة تشمل تجمعاً فنياً في جو من المشاركة الصحية.
أطلقت مسك للفنون مؤخراً مشروع المكتبة الفنية، لتسهم بسد فراغ هائل في الكتابات النقدية والمواد البحثية للفنانين السعوديين، باللغتين العربية والإنجليزية. النشر بحد ذاته مشروع يصب في مصلحة المشهد الفني بالمملكة عموماً. لا ننسى بالتأكيد أن هناك عدداً من الفنانين، ومنهم الرائد محمد السليم، رحمه الله، وعبد الرحمن السليمان، وأحمد فيلمبان، الذين قاموا بجهود فردية للنشر يشكرون عليها، ولكنها لا تغطي الحاجة لمجتمع بهذا الكم من الفنانين. لم يضم الإصدار الأول فناناً سعودياً فقط، وهو المبدع عبد الرحمن السليمان، بل أيضاً الفنان المصري الرائع آدم حنين، رحمه الله، الذي عُرف كنحات عالمي، لنرى جانباً لم ينل التسليط الكافي للفنان من قبل، وهو رسوماته بالفحم والحبر..
ومن متابعتي مؤخراً لبرنامج الإقامة الفنية المحلية بأول انطلاقة لها، أعجبني التطور الذي شهدته للفنانين المشاركين في معرضهم، ولم تبهرني الأعمال بشكلها الأخير، كما أبهرني التطور الفكري وعمق التجربة لكل فنان.
اليوم تطلق مسك الإقامة الدولية، واختيار برلين وشنغهاي كأول المحطات لستة فنانين سعوديين، سيعود بالفائدة على هؤلاء الفنانين والمشهد الفني السعودي بشكل عام.
وتظل المسؤولية الأكبر على الفنان، ليترجم ما يكتسبه من علم ومهارات، بفن يضيف تراثاً ثرياً لمستقبل بلاده الفني.
على المؤسسات إتاحة الفرص وفتح الطريق، وعلى الفنان إكمال الطريق والاستمرار بالتعلم والتطور حتى آخر يوم في حياته.