الحواس هي نوافذ طبيعيّة خلقها الله تعالى للإنسان ليطلّ بها على العالم الخارجي وتساعده في الإدراك والتّعلّم والتّواصل والتّعرّف إلى الأشياء والتّصنيف التّقليدي للحواس الخمس وهي السّمع، البصر، الشّمّ، التّذوّق، اللّمس، إذ تستقبل هذه الحواس المحفّزات أو المثيرات الخارجيّة وتقوم بتفسيرها، علماً أنّ هناك بعض الآراء تقول: إنّ البشر لا يمتلكون فقط خمس حواس ،إنّما إحدى عشرة حاسّة، والبعض الآخر إحدى وعشرين حاسة ،كالتّوازن وإدراك الحركة والحرارة والضّغط وغيرها. هذه الأحاسيس مُسلّمٌ بها، لذا لا يدرك الإنسان كيف تعمل معاً بتناغمٍ حكيم يدلّ على عظمة الخالق، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، وعندما تتفاعل الحواسّ مع بعضها مستقبلةً المثيرات من المحيط الخارجي ثمّ ترسلها للجملة العصبيّة داخل الجسم لتبدأ ردود الأفعال المناسبة لكّل سلوك.
حاسّة الشّمّ على سبيل المثال تحتوي على عشرين مليون خليّة عصبيّة، لتمييز الرّوائح عن طريق سائل ذهني له خاصيّة عجيبة تتفاعل مع الرّائحة كيميائيّاً، فتنتج أشكالاً هندسيّة مميّزة حسب الشّعور النّفسيّ للشّخص، وهذا ما يجعلنا نسلك سلوكاً معيّناً عندما نشمّ رائحة ما، على سبيل المثال لو كنت تتكلّم مع إنسانٍ ما وقد شممت رائحة غير مقبولة ولا يمكنك تحمّلها فإنّك وبشكل لا إرادي ستعتذر من الشّخص لإنهاء الحديث بحجّة تذكّرك لموعد مهمّ أو أيّ حجّةٍ لتهرب من ذلك الموقف، ولكن لو تساءلنا ما علاقة الاستماع للكلام بالرّائحة، أي ما علاقة حاسّة السّمع بحاسّة الشّمّ، فأنت تسمع بأذنك لا بأنفك، إنّ تفسير هذه الظّاهرة هو أنّ الإنسان بطبيعته كتلة مترابطة فيما بينها، يتفاعل بكلّ ما يملك من أحاسيس.
لاحظت خلال فترة كورونا (كوفيد - 19) والتزام الجميع بارتداء الكمّامة للحماية والوقاية أنّ أحدهم عند الاستماع لحديث أحدهم فإنّه يقوم بإزالة الكمّامة عن أنفه وفمه، وكأنّ أنفه أداة التقاط الأصوات عوضاً عن أذنه وأنّه سيسمعه بشكلٍ أفضل.
إنّ الإنسان كلٌّ متكامل يتفاعل بتعابير وجهه كاملة، فمع إصغائه لحديث أحدهم يتفاعل معه بلغة جسده كالعيون والابتسامة أو الغضب واللمس وغيرها، ما يفسّر تلك الظّاهرة مع الانتباه إلى موضوع الصمّ والبكم الّذي يبيّن الارتباط بين الحاسّتين والاستفادة من لغة الإشارة ولغة العيون لإيصال أي رسالة يريدونها.
إنّ هذا التّداخل والتّناغم بين الحواسّ يميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات وينبغي شكر الخالق عليها، فهي آيات عظيمة تدلّ على قدرة الخالق وعظمته، قال تعالى: (لنريك من آياتنا الكبرى فاعتبروا يا أولي الأبصار).