الإنسان كائن ينمو وينتقل من مرحلة إلى أخرى، هذه المراحل تحددها المعارف والقراءات والتجارب التي يمر بها الإنسان ومن المستحيل أن تكون عقليتك وأنت في العشرين مثل عقليتك وأنت في الأربعين، وفي ذلك يقول الملاكم "محمد علي كلاي": "إذا كانت عقليتك وأنت في الثلاثين مثل عقليتك وأنت في الخمسين فقد فقدت عشرين سنة من عمرك".
وبالتأكيد أنني إنسان وأستجيب للنمو والتطور لذلك سأحدثكم اليوم عن جانب واحد من الجوانب التي تطورت فيها حياتي وانتقلت من الضفة اليسرى إلى اليمنى.
قبل ربع قرن كنت أقرأ للشعراء العرب الذين يبدعون في إساءة الظن ويتفننون في رسم التشاؤم، ويتميزون بإنتاج السلبية ودعم الكآبة والاحتفاء باللون الأسود، كما أنهم من جانب آخر يحبون جلد الذات واحتقار أي تطور يحدث في الوطن العربي من خلال السخرية اللاذعة مثلما نرى ذلك واضحاً في أشعار نزار قباني.
يقال إن المرء يتأثر بجليسة وأنا في تلك الفترة كنت جليس هذه الكتب فأثرت عليّ من دون علمي، وأصبح التشاؤم يجري في دمي وأمسيت أبحث عنها كل يوم وكأنه الأنسولين لذلك كنت حينذاك أختار أصدقائي وفق معيار التشاؤم، فأكثرهم سلبية هو أكثرهم قرباً مني وهكذا كانت حياتي باختصار.
من حسن الحظ أنني لم أستمر - ولله الحمد - وقد استيقظت ذات يوم وسألت نفسي لماذا كل هذه السلبية التي أختزنها في رأسي مع أن العالم فيه من الأشياء الجميلة بما يكفي للتفاؤل وما يجعل الحياة تستحق الحياة كما يقول الشاعر محمود درويش.
جلست في هذه المرحلة - أعني مرحلة التساؤل - شهراً أو شهرين، وبعد ذلك آمنت بالتفاؤل واعتنقت الإيجابية وبدأت عيني تلتقط الجمال وتقتنصه على الرغم من دوائر القبح، حينها تغيرت حياتي وأصبحت في نعمة من الخير لأن من يركز على الخير فإنه يزيد منه، ومن يتفاءل بالجمال يجد الجمال، لذلك لم أعد إيجابياً فقط بل أصبح الناس الذين يتابعونني في مواقع التواصل الاجتماعي يسألونني كل صباح من أين لك هذه الطاقة الإيجابية؟
في النهاية أقول:
حين صرت إيجابياً حتى مفرداتي تغيرت، كنت في الماضي أستخدم التذمر والكآبة والتشاؤم والكارثة والسواد، أما الآن فهذه الألفاظ لا تليق بي ولا أليق بها، لذلك ألغيتها وصارت مفرداتي تدور حول التفاؤل والانطلاق والتجلي والعطاء والتدفق والثراء والشغف والانبثاق والإشراق والإيجابية والطموح والبناء والإثارة والتفتح والازدهار والضياء والفيوض.