الكبار هم الذين يجعلون هذا العالم أكثر سلاماً وطمأنينة. كبار في أنفسهم ومعادنهم، وليس بمناصبهم وألقابهم. هم أشخاص يحملون في دواخلهم مساحات كبيرة، برحابة الفضاء، تضخّم الخير وتحجّم الشر. تنظر للجانب المتفائل، وتفسر الأمور في منحاها الإيجابي.
هؤلاء نتعلم منهم الكثير. حينما تأتيك الكلمة الجارحة اجعل منها كلمة عابرة، تعامل معها كالكبار، الذين ينأون بأنفسهم عن الصغائر. كلما تسمو النفس، تتقلص التفاصيل الصغيرة. تطلّع إلى الأفق الواسع، إلى الأمل الذي ينتظرك، إلى الفرح الذي يختبئ بين زوايا اليوم، ينتظر روحاً وثابة، تكتشفه لتحتضنه، وتحوله إلى واقع وممارسة.
يخطئ البعض عليك، وربما يستغلون طيبتك، أو كما يعتقدون، سذاجتك، لكن هذا جزء من واقع الحياة، فالعالم لم يكن، ولن يكون مثالياً. الاستيعابية التي تجعل من داخلك مساحات هائلة كالمحيطات التي تستوعب هذه السفن الهادرة، تخيل لولا هذا العمق وهذه الرحابة في المحيط، أكان يمكن لسطح الماء الرقيق أن يحمل هذه السفن الضخمة؟.
نتجاوز عن الصغائر، ونرد الإساءة بالإحسان، ونعطي المبررات للغير، فالكل يخطئ وخير الخطائين التوابون. إذا كنا نعتقد أن الحق معنا، وهو ربما ذلك، فلا بد أيضاً من المرونة، والاجتهاد في إعطاء المبررات للغير. حينما نتسامح فإننا نرتقي بأنفسنا، كما أننا نريحها من عناء الحسابات والضغينة. الأنقياء هم الذين يتسامحون ويستوعبون.
المعادن الأصيلة هي التي لا تتغير بتغير الظروف، تجد الأشخاص أنفسهم في كل الحالات، لسبب مهم وهو أنهم صادقون مع أنفسهم قبل أن يكونوا صادقين مع الغير. تجد لديهم مناعة ضد الزيف، وبساطة في التعامل. بقدر ما نتسامح، بقدر ما نقترب أكثر من حقيقة أنفسنا
اليوم الثامن:
الشجرة المثمرة، ربما تقذف بالحجارة
ولكنها تستمر في العطاء، مهما كانت الضربات
فهي شامخة كالجبل، معطاءة كالنهر.