يعرف القريبون مني، والبعيدون عني، أنني شخص لا أُحب الجدل، ولا أطمح إلى إقناع الناس بوجهة نظري، وأرفع دائماً شعار: «رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ»، كما هي سنّة أسلافنا ومشايخنا من قبل!
ذات صبيحة، طيَّرتُ عبر الطائر الأزرق «تويتر»، ناصية أقول فيها: (أعرض رأيي ولا أفرضه، أطرحه ولا أُحاول إقناع الناس به؛ لأن الزمن كفيل بإقناع الجميع، وتغيير وجهات نظرهم). نعم، إنني أعني ما أقول، وسأشرح لكم لماذا!
يقول شيخنا «علي الوردي» في كتابه «مهزلة العقل البشري»: (إن الجدل يؤدي إلى التنازع، والتنازع يؤدي إلى التطرف)، وهذا ما أقصده حين أتحاشى وأتلافى محاولة إقناع الناس بآرائي، والدخول معهم في الجدل؛ لأن الإنسان إذا دخل في معركة الجدل؛ لن يكون باحثاً عن الحقيقة، بل سيبحث عن إثبات صحة رأيه، لتأكيد نظرية مفادها: «إن الانتقام للذات، أهم من الانتصار للحقيقة!».
أكثر من ذلك، سبق وأن قدَّمت برنامجاً تلفازياً، على قناتي «الرسالة وخليجية»، تحت عنوان: «الميدان»، وكانت فِكرته -باختصار- تدور حول قضية لها مُؤيِّد ومُعَارِض، فمثلاً نطرح قضية «إغلاق المحلات وقت الصلاة»، ويأتي المُعارض بأدلته وإثباتاته، والمُؤيِّد بشواهده وبراهينه، ثم يتحاوران ويتجادلان طوال الحلقة!
ومن الغريب أن كل الحلقات الستين، لم نخرج بحلقةٍ واحدة؛ يتفق فيها الطرفان على رأي واحد، أو يصلان إلى حلّ، بل قد يصل الأمر إلى أن يخرجا من الحلقة، وكل طرف منهما أكثر تمسُّكاً بآرائه، وأشد عناداً في مواقفه!
في النهاية أقول: أيُّها الناس، لا تحرصوا على إقناع غيركم بآرائكم؛ لأن الإنسان نفسه قد يُغيِّر آراءه مع الزمن، أما عن نفسي؛ فقد تبنّيتُ نظرية شيخي «أرسطو»، حيث يقول: (قُل كلمتك وامضِ)، أو بالترجمة «العرفجيَّة»: (قُل ما عندك ثم ظُف وجهك!!).