ما زلتُ أقول: إننا لم نستفد من تراثنا الإسلامي المجيد، الذي توجد فيه صفحات مُشرِقَة، مثلما توجد فيه صفحات مُحرِقَة، ومن النماذج المُشرِقَة ما يُعرف بالوقف؛ الذي يُعرِّفه الفقهاء بقولهم: (حبس الأصل وتسبيل المنفعة)..!
وفي مقال اليوم، أتعرَّض لصورٍ مُشرِقَة مِن الأوقاف الحميدة، ومنها على سبيل المثال:
وقف «مُؤنِس المرضى والغُربَاء»: وهو بند أو جُعل مالي (يُنفق منه على عدّة مُؤذِّنين، من رخيمي الصوت، حَسَنِي الأداء، فيُرتِّلون القصائد الدينية طوال الليل، بحيث يُرتِّل كُلٌّ مِنهم ساعة، حتَّى مطلع الفجر، سعيًا وراء التخفيف عن المريض؛ الذي ليس له مَن يُخفِّف عنه، وإيناس الغريب الذي ليس له مَن يُؤنسه)..!
ومن نماذج الأوقاف أيضًا؛ وقف «خداع المريض»: وهو مخصَّص مالي يُصرف مِنه على: (وظيفة من جملة وظائف المعالجة في المستشفيات، أو ما يُسمَّى –اليوم- في الطب الحديث «العلاج بالإيحاء»، حيث يتم تكليف اثنين من الممرِّضين؛ بأن يقفا قريباً من المريض، بحيثُ يسمعهما ولا يراهما، فيقول أحدهما لصاحبه: ماذا قال الطبيب عن هذا المريض؟ ، فيرد عليه الآخر: إن الطبيب يقول: إنه لا بأس، فهو مرجو البُرء، ولا يوجد في علّته ما يشغل البال، وربما نهض من فراش مرضه؛ بعد يومين أو ثلاثة أيام)..!
ومن نماذج الأوقاف أيضًا؛ «وقف الزبادي»: الذي يُنفَق مِنه على: (شراء صحاف الخزف الصيني، فكُلّ خادم كُسِرَت آنيته، وتعرَّض لغضب مخدومه، له أن يذهب إلى إدارة الوقف، فيترك الإناء المكسور، ويأخذ إناءً صحيحاً بدلاً منه، وبهذا ينجو مِن غضب مخدومه عليه).. وقد سُمِّي بهذا الاسم نسبةً إلى «الزبديَّة»، وهي الإناء الصغير..!
في النهاية أقول: ليتنا نُفعِّل مثل هذه الأوقاف، فما أنبل وأجمل وأكمل هذه الخدمات، التي تلتفت إلى الطبقات المُهمَّشة والمنسيَّة في المجتمع..!