مقارنات متباعدة

محمد فهد الحارثي
لماذا كلما غادرت من مكان إلى مكان اكتشفت أنك سبقتني إلى ‎هناك، ووضعت ملامحك في كل الأمكنة؟ تجعلين المقارنات ‎مع الغير صعبة بل و محرجة. لم يعد السفر هروباً، بل هرولة إليك. لم تعد ‎الأماكن تعني لي أي شيء، بل هي تأكيد لاستثنائك. واكتشاف أنه بقدر ما ‎أبتعد في المسافات بقدر ما أقترب منك في المشاعر. البشر يتفاوتون، ما عدا أنت، واحة من الصدق في صحراء من الزيف. براءتك طبع لا يختلف ‎مع تغير الفصول، ابتسامتك لغة لا تتبدل مع الأيام، ‎مشاعرك رصيد لا تهزه مستجدات الظروف. أنت الثابت في زمن المتحول. ‎أنت الحقيقة في عصر شُح فيه الوفاء. ‎كلما خطوت خطوة في المسار البعيد، أدركت كم أنت قريبة. وكلما قادتني ‎الظروف إلى المحيطات البعيدة اكتشفت كم أنا حظيّ بأنقى الينابيع. كل ‎الموانئ أوهام ضائعة ومحطات عابرة. فقط ما بين يديك مرساي ورحيلي ‎وترحالي. ‎ هناك يتسابقون في كل شيء، ينسجون عبارات فارغة وأشكالاً مزيفة ‎وألواناً مبالغة. كل هذه التراكيب في عقدها وتوليفتها تصبح عندك هامشاً ‎ضائعاً. تتقزم الأشياء، بل وتنعدم. ببساطتك وعفويتك، تكتسحين كل ‎المقارنات. تتجاوزين كل المساحات. تصبحين الكون بروعته، بينما الآخرون ‎نيازك مقترحة. ‎أعترف لك أن الأمتار التي بعدت عنك فيها، أعادتني إليك الآف الأميال.أحسست بأن كل الأشياء تتحالف ‎وتتضامن معك. وكأنها تعشقك في الخفاء. حتى الزمن رغم صلابته وعناده، إلا أنه يتباطأ بتعمد في بعدك. ‎ويركض بخفة في حضورك. اعترافاتي لا تغير من الواقع شيئاً، حقائق ‎لاتحتاج إلى مسببات. فعندما يهطل المطر لا نسأل السحب من أي المحيطات ‎جمعت قطرات المطر اليوم الثامن: ‎البشر نوعان ‎ناس يصنعون الذاكرة ‎وآخرون يذكّروننا بهم.