مع كل مطلع شمس، تخرج علينا عشرات الدراسات حول مضار البُن، وأثر المناظر الجميلة على العين، ودراسات حول السعادة، التي تتولَّد من الحديث مع الأطفال، أو الشعور الذي يُولِّده تناول الشوكولاتة عند النساء.. إنها دراسات متنوعة متعددة، قليلها جيِّد، وكثيرها مُربك ومسلوق كسلق البيض..!
لكن من الدراسات التي لفتت نظري، دراسة تقول: إن معظم الشعب العربي يتكلَّم في اليوم؛ قرابة (5000) كلمة للفرد الواحد، ومن هذه الـ(5000)، تُشكِّل مفردات السعادة والإيجابية والتفاؤل 20% فقط، أما الـ80%، فهي مفردات تدور حول التذمُّر والتشكِّي، وصناعة السلبية، وندب الحظ، والتحسُّر على الواقع، والبكاء على الماضي..!
أكثر من ذلك.. تُشكِّل مفردات التذمُّر من الجو وسوء أحواله، سواء في الصيف أو في الشتاء، قرابة 30% من المفردات، وهي –كما تلاحظون- نسبة كبيرة جداً، ونحن نلاحظ هذه الشكوى خاصة في الصيف، لدرجة أن أحد الخبثاء قال: (ما اجتمعت امرأتان؛ إلا كانت الشكوى من الحر ثالثهما)، لأن الحر يُفسِد «الميك أب»، وينفش الشعر، ويُخرِج رائحة العرق..!
إن هذه الدراسة يجب أن تكون ضمن المقررات الدراسية، حتى يعرف الناس مقدار التشكِّي الذي ينتجونه، والتذمُّر الذي يصنعونه برؤوسهم، قبل أن يُطبِّقوه كخارطة طريق لحياتهم..!
إننا نُردِّد دائماً، أن الشكوى لغير الله مذلَّة، وأنها علامة ضعف، وأن التذمُّر علامة من علامات الانكسار.. نُردِّد هذا ببلاهة، مُحذِّرين منه، ولكن في واقع حياتنا نحن نُطبِّقه ونُمارسه..!
في النهاية أقول: أيها الناس -من ذكرٍ وأنثى- حاولوا أن تُسجِّلوا ما تقولون وتُدوِّنُوه، واسمعوه بعد أسبوع، فستكتشفون أنكم مُمِلُّون، وكثيرو الشكوى، ولا تطيقون أنفسكم، فكيف يطيقكم الآخرون..؟!
إنني جربت هذا التسجيل قبل (15) سنة، وحين سمعتُ انتفاخات الشكوى والتذمُّر، التي تطغى على صوتي، أقسمتُ بالله -الذي نفس أحمد العرفج بيده- أن أُقلِّل الشكوى، أو أقضي عليها، وإذا اضطرني الزمن للشكوى، فلن أشتكي إلا للواحد القهَّار..!!