رسائل البريد لها نكهة خاصة، وعندما أقول نكهة خاصة فأنا لا أمدحها ولا أقدحها، وإنما أقول ذلك من باب الغرابة والمفاجأة والدهشة التي تصيب مستقبِلِها إما بفرح وإما بحزن.
لقد كُتبت عشرات بل مئات المقالات والكتب حول البريد وتاريخ البريد وبدايات البريد وتطوُّر البريد، ولكن هناك نفرٌ قليل من الأدباء والفلاسفة الذين وصفوا الحالة النفسية لمستقبِلي الرسائل، ومنهم الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، حيث يقول في لقطة من لقطاته التاريخية: (الرسالة زيارة غير معلنة، وساعي البريد هو رسول المفاجآت الفظّة، عليك أن تخصِّص ساعة في الأسبوع فقط لاستلام الرسائل، وتستحمّ بعد ذلك).
كان الله في عوننا بعد أن تطوّرت الرسائل وأصبحت تقتحمنا وتقتحم هواتفنا من غير استئذان.. بالله عليكم ماذا كان سيقول الفيلسوف نيتشه لو كان يعيش بيننا اليوم؟ ماذا كان سيفعل وهو يرى الرسائل تمطر جواله كالقصف المستمر الذي يمارسه أقسى الغزاة في حروبهم؟
لقد اشتكى نيتشه من الرسائل حين وصفها بـ "الزائر غير المعلَن"، ووضع خطوتيْن لاستقبال الرسائل: الخطوة الأولى أن يستلمها مرة في الأسبوع مخصصاً لها ساعة واحدة فقط، والخطوة الثانية هي أن يستحمّ بعد تلك الساعة.
بالله عليكم من يخرج لنا الآن ويعطينا حلاً لتدفُّق رسائل الواتس أب التي تجمع كلّ الأشياء التي ذكرها نيتشه بل وتزيد على ذلك؟ لأنك من الممكن أن تستيقظ في الصباح وتجد الرسالة الأولى تخبرك بوفاة عزيز، ثم تجد الرسالة التي بعدها تخبرك بأن أحد أقربائك رُزِق بمولود، لتعيش الحياة والموت في لحظة واحدة.
في النهاية أقول :
ما أجمل الفيلسوف نيتشه فقد كان متواضعاً عندما خصّص ساعة لاستقبال الرسائل، لأننا لو خصّصنا كلّ يوم أربع ساعات فلن تكفي لمسح رسائل #جمعة_مباركة، ورسائل صباح الخير ومساء الخير، أو تلك المقاطع الموسيقية التي تقول: "مساء الخير والإحساس والطيبة".