شجرة السّاكورا والذّات

الدكتورة مايا الهواري
مايا الهواري  
مايا الهواري  

شجرة السّاكورا اليابانيّة، شجرة جميلة أبدعتها ريشة الخالق سبحانه، تتّصف بشموخها وأزهارها الرّائعة، عمرها قصير تعيش شهر ونصف الشهر فقط، من شهر مارس حتّى أوّل شهر مايو، وظهور أزهار شجرة السّاكورا دلالة على انتهاء فصل الشّتاء وبداية فصل الرّبيع، وقد أطلق عليها اليابانيّون اسم الورد المتساقط من السّماء كالمطر، لأنّ أزهارها تتساقط على الأرض بهدوء، باعثة رائحة فوّاحة كقطرات المطر التي تبعث رائحة نديّة.
ترمز شجرة السّاكورا إلى الذّات وكيفيّة تحكّم الإنسان بذاته وتطويرها، هي دلالة للتّغيير من حال إلى حال، والانتقال من الوضع السّلبي إلى الوضع الإيجابيّ بكلّ ظروف الحياة، وعلى الرغم من مدّة حياتها القصيرة التي لا تتجاوز الشّهر ونصف الشهر، إلّا أنها رمزٌ للعطاء والحبّ والتّسامح بما تنشره من راحة نفسيّة لكلّ من يقترب منها، ما جعل هذه الشّجرة موروثاً ثقافيّاً لدى اليابانيّين، وخاصّة في الاحتفالات السّنويّة المترافقة مع قدوم الرّبيع، مُطلقةً ولادةَ حياةٍ جديدةٍ من أزهارها البيضاء والورديّة، محمّلة بكلّ معاني الحياة والموت والوحدة والسّعي لتحقيق التّكامل في كلّ شيء، كما يتمّ تخليلها بالملح لتحضير وجبات الطّعام وإضافة نكهات مميّزة للحلويّات، وأيضاً تُقدَّم على شكل مشروب ساخن في الحفلات والطّقوس المعيّنة، فهذه الثّقافة المرتبطة بدورة حياة السّاكورا السّريعة تمثّل الجمال المتألّق والدّور الفعّال الّذي تقوم به من خلال نشر عبقها الزّاكي ومنظرها الفتّان الذي يأسر القلوب.
كما نجد هناك ارتباطاً وثيقاً بين الذّات البشريّة ودورة حياتها، وبين أشجار السّاكورا، فالإنسان على الرغم من عمره القصير إلّا أنّه يتمتّع بالعطاء والهدوء والسّلام الدّاخليّ الذي من خلاله يتمّ إرسال الإيجابيّة والحبّ لمن حوله، فطول العمر وقصره لا يتحكّم بالأعمال والإنجازات، لأنّها غير محكومة بوقت، طالما أنّ الإنسان على قيد الحياة ويتنفّس فعليه العمل وتقديم كلّ مفيد لنفسه وللمجتمع، كما السّاكورا بشهر ونصف الشهر تعيد الرّوح للطّبيعة بألوان أزهارها الزّاهية وعبيرها المنعش، وذلك دلالة على أنّ الإنسان يمتلك الرّوح التي من خلالها يمكنه أن يطوّر من ذاته ويحوّلها من السّلبيّ إلى الإيجابيّ، ويزرع في داخلها طاقة كبيرة مفعمة بالحيويّة.
ما أجمل أن يكون الإنسان كشجرة السّاكورا شامخاً قويّاً ثابتاً، واضعاً بصمته الثّابتة في عقول وقلوب الآخرين، كما السّاكورا معطاءة جدّاً وتبقى كلّ ورودها وزهورها في الذّاكرة.