يتمتع الصديق القارئ بمزايا ربما تتوفر عند البعض وبعضها عند الكل، ولكنها بالنسبة إلى القارئ تكون أكثر وضوحاً وشدة، تظهر في أدق تفاصيله وأصغرها، وتُعبر عنه أكثر من أي ميزة أو صفة.
فمثلاً الأصدقاء اللطفاء هم كُثر، نحبهم ونستمتع بأحاديثهم، ولكن صديقنا القارئ لطافته مختلفة، وكأن عليها ختم أو ترخيص ساري المفعول مدى الحياة وفي كل المواقف، لطافة مُصدقة، تلقائية لا يصطنعها بحسب الموقف أو الأشخاص، ولا تُجبره عليها بعض الأماكن والعلاقات.
ردود أفعاله حتى إن سيطر عليها التهور تبقى مستقيمة، أقل خطراً وأكثر روية، فلديه مخزون من المواقف التي قرأها والتجارب التي عاش معها تتناسب مع كل مرحلة من مراحله، حتى باتت اللحظات المفاجئة أو الطارئة بالنسبة إليه أقل من غيره، وردوده مصقولة وعلـى أتم استعداد غالبية الوقت.
الصديق القارئ مؤمن بالمشاعر، وشديد الحساسية تجاهها، ويؤمن بأن الواقع قد يتغير، وأن الأحداث السيئة ككتاب مهما كثُرت عدد صفحاته سنصل معه إلى النهاية، يحب الروتين الهادئ والمطمئن في معظم أوقات السنة، ولا تشغله تجربة كل جديد ليجلب قيمة لحياته تتغذا عليها؛ لأن حياته امتلأت بما تقدم لها الكتب من دهشة وقيمة وتجارب.
نلتمس بصحبته الأُنس والكثير من القصص والحكايات والكلمات التي لا ينقطع حضورها في ذاكرة القراءة التي يتمتع بقوتها وسهولة استخراج ما فيها.
يقول ألبرتو مانغويل:" اكتراث ذاكرتي بي أقل من اكتراثها بكتبي، وتذكر القصة التي قرأتها ذات مرة منذ زمن بعيد، أسهل علي من تذكر الشاب الذي كان قارئها".
هذا الصديق مسكون بشغف الكتب الجديدة التي لم تلمسها يداه بعد، ومهوس بتجربة ملمس كتب جديدة ومختلفة لم يملكها، ومخلص للكتب التي يملكها وتتخللها أسراره، التي حفظها على هوامش الصفحات، وكريم بمشاركة المعرفة التي اكتسبها، ينقلها بكل الوسائل، ويتحدث عنها أينما كان، حتى إن لم تكن مهتماً بها، فهو على ثقة أنك قد تحتاج إليها في يوم من الأيام.
مهما كانت مكتباتنا صغيرة نجد أنه أهدانا رفاً منها، وأصبح جزءاً من أكثر الأماكن خصوصية لقلوبنا، يشاركنا بعضاً من الاقتباسات التي استوقفته، وكأنه يتذكرنا بها، ويربطنا بأجمل شيء قرأه حينها.
لن يكون بينك وبينه إلا القليل جداً من تلك الخلافات المتكررة التي تتسبب بها المواعيد، فإذا حدث وتأخر عن موعدك معه، فهو بهذا التصرف سيهديك لحظات استثنائية، لقراءة ممتعة وأكثر تركيزاً؛ لأنها محكومة بمدة الانتظار التي قد تنقطع فجأة، وتحرمه من استكمال ما يقرأ، فيقف أمام أحد السطور بشكل خاطئ يخالفه عليه الكتاب، وينزل به عقوبة تتطلب منه أن يُعيد قراءة الصفحة أو جزءاً منها أو ربما أكثر.
صديقنا القارئ نحتاج إليه لإغلاق دائرة علاقاتنا التي تربطنا بهذه الحياة، ولاستكمال الحرف الناقص من كلماتنا غير المفهومة.