خلق الله تعالى البشرَ صنفين، الصّنف الأوّل يتضمّن الأشخاص العاديّين بكلّ شيء، يُولدون في بيئة عاديّة وظروف كذلك، متلقّين تربية عاديّة بأفكارٍ بسيطةٍ إلى أن يموتوا ميتةً عاديّة من دون أثرٍ يُذكر، وبالمقابل نجد أنّ الصّنف الثّاني قرّر أن يرسم حياته ويجعل لها معنى فيغدو الهدف واضحاً مع همّة عالية ونيّة صادقة، وبالتّالي يزرع بصمته الثّابتة في تربة صالحة لتغدو شجرةً تُظِلّ الأجيال القادمة، قال تعالى: (ونكتبُ ما قدّموا وآثارهم).
لا بدّ أن يمتلك الإنسان رسالةً ساميةً يعمل جاهداً لتحقيقها، تاركاً أثراً دالّاً على جميل صُنعه، فلا يكون إنساناً ذا جسدٍ فقط، بل شخصاً حكيماً يُدرك أنّ الجسدَ مجرّد أداةٍ لدخول الرّوح وخروجها، ولهذا الجسد حدٌّ وشكلٌ معيّن لا يتخطّى حدوده الدّنيا والعليا، تتقمّصه روحٌ جيّدة تسعى جاهدةً لتقديم كلّ مفيدٍ للأمّة قبل انتهاء أجَلها، لأنّ العمل ينقطع بانقطاع الرّوح، فلا بدّ من استغلال ذلك استغلالاً كبيراً لإدراك الغاية والهدف المطلوب، واستفادة الآخرين من ذلك إذ يُستحبّ أن نذكر عمل الإنسان الصّالح ليكون منارة ومرشداً لكلّ تائهٍ يُثاب عليها صاحبها قبل وبعد مغادرته الحياة الدنيا، فلكلّ شيء عمرٌ محدّد، الجسد والرّوح لهما عمرٌ محدّد كذلك، فينتهي هذا الجسد وتنتهي خدمة هذه الرّوح.
لذا وجب على العبد الصّالح أن يترك في صحائف أعماله أثراً جميلاً وعملاً حسناً يُثابُ عليه ويلقى الله به، ومثال ذلك الشّيخ خليفة بن زايد آل نهيان - تغمده بواسع رحمته - الذي كان مثالاً للرّجل الطّيّب حيث كان يولي أهل بيته اهتماماً كبيراً، ومن ثمّ ينتقل للاهتمام بمن حوله إلى أن يكبر ويوسّع دائرته ليشمل كلّ بلاده وبلاد جواره، فصنع كثيراً من المنجزات في مجالات الحياة كافّة، كالتّعليم والتّنمية وتمكين المرأة وتطوير الذّات وحماية البيئة، وفي المجال العمرانيّ، وعلى الصّعيد الدوليّ أيضاً فالتاريخ يخلّد اسمه تكريماً لأثره الدّال على عمله الدّؤوب، ومسؤوليته تجاه بلده ساعياً لرفع كفاءة أبنائه منطلقاً من مبدأ أنّ الإنسان هو خليفة على هذه الأرض عليه إعمارها بالخير، قال تعالى: (إنّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمامٍ مبين)، فاترك بصمتك في الحياة قبل أن تغادرها، فالأعمال الصّالحة بذرة خير تنمو وتكبر ولا تُنسى، بل ويبقى أثرها في النفوس دائماً.