فنّ التّعايش من أهمّ الرّسالات التي يجب الحرص على أدائها بجودة عالية، لإنتاج أوطان مستقرّة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً. صحيح أن الله خلقنا مختلفين، لكن لحكمة أرادها سبحانه، وهي أن يكمّل بعضنا بعضاً على الرغم من اختلاف ألواننا ومعتقداتنا وجغرافياتنا ومرتباتنا الاجتماعية والمادية، "يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم". هذه هي فطرة التّنوّع البشري التي توجّهنا ضمنيّاً للانفتاح على الآخر وبناء جسور التّواصل والتّعاون والتّكامل الّلازم معه لبناء مجتمعات حضارية مؤهّلة لعمارة الكون، بعيداً عن "أنا" الطّغيان والأفكار الارتداديّة النّاتجة عن العداء والصّراع التّاريخي، التي تتحوّل فيما بعد إلى إرث صلب يُثقِل كاهل البشريّة ويتسبّب في دمارها. لا أظنّ أنّ التّعايش مع الأغيار وتقبّلهم يحتاج إلى اتفاقات ومعاهدات تُصاغ في إطار مؤسّسات تضمن دقّة تطبيقها بتشريعات وقوانين زجرية ورسميّة، بل أرى وبكلّ بساطة أنّه من أهمّ مقوّمات التّعايش الحضاري بين النّاس جميعاً هو مزيج المرونة، وسعة الصّدر، وسموّ الأخلاق، والرّحمة، ومحاولة الاستيعاب والتفهّم، والاحترام، والاندماج وعدم الانعزال، والحوار، والاعتدال والوسطية، والعفو والتّسامح الذي يوثّق لبنات المودّة والمحبّة والسّلام. فنّ التّعايش قد يكون واحداً من بين الكثير من الفنون، لكنّه الوحيد المُحفّز على خلق الطّاقة الإيجابية في الحياة واستقرارها واستمرارها في ظروف نفسية وجسدية آمنة، لا تنغصها إشكالات الفهم الخاطئ والغلوّ والتطرّف والتوتّر والصّراع، وأيديولوجيات سوداء، روّجت لعلاقات الكراهية تجاه الآخر، وألقت بهذا الكوكب في دوّامة من الحروب والنّزاعات .