نقطة توقف

محمد فهد الحارثي
أقف في منتصف الطريق، بين مشوار قطعت فيه رحلة، وبين عودة للنظر في الحسابات من جديد. أصعب المسافات منطقة الوسط ... هي الحيرة بين الاتجاهات، ونقطة استجماع لخريطة التوقعات.. هي النقطة، التي ننظر فيها إلى الوراء، لنتيقن إذا كان هذا هو المسار الصحيح! تتوالى الأسئلة وتدوير الذكريات. وتقفز كلمة لو، بين كل منعطف وما بعده. هذه الكلمة، التي تتميز في مظهرها برداء جميل؛ ولكن لا تتضمن ما تحمله في داخلها من تفاصيل. فربما الأحداث التي تتوقعها، كانت ستأتي بأشياء عكس ما تتمنى. وأسمح لنفسي بطرح الأسئلة، وأتماهى مع أفكاري للحد البعيد. كم من الأخطاء ارتكبت، وأين اختفت تلك السنوات، التي ركضت عجلى في هدوء عجيب؟. إصدار الأحكام صعب. فنحن نرى جانباً وتغيب عنّا أمور. وأقلب الوجوه التي عبرت، أو التي عبرت عليها، لافرق، طالما أن الصفحة قلبت. أسماء تركت بصمة، وأخرى رحلت صامتة، وكثيرون لم تحملهم الذاكرة سقطوا في الطريق، أو ربما أنهم في الأساس لم يستقلوا عربة الذاكرة. هل أخطأنا في حقهم؟. نعم ... ومن منا من لم يخطىء. هل خسرناهم؟. بالتأكيد، وإلا كيف تبرز صورتهم عند كل صباح. هل نفتقدهم؟. لا أدري، ولكن فراغات العمر واضحة بغيابهم. وأشيح بوجهي عن البقع الرمادية في العمر، وأرمي بنظري لتلك المساحات المشعة. فالتسامح يجعل نظرنا انتقائياً.. نرى الأضواء، ونتحاشى الظلال. يالجمال العمر حينما نعجنه بمحلول التسامح والتقبل والقناعة. لن أطيل وقوفي في نقطة المنتصف. هو توقف للإحساس بالاتجاهات. وها أنذا أواصل طريقي. أحمل معي في جعبتي شيئين لا أفرط فيهما: إيماني بالله، الذي يمنحني الطاقة والقدرة على مواصلة المشوار. وتفاؤلاً لاينتهي بأن المستقبل سيفاجئني بأجمل مما توقعت، وأفضل مما أستحق اليوم الثامن: أكثر الأشخاص الذين نفتقدهم هم الذين ننسى أنهم معنا... وحينما يغادرون يأخذون معهم بعض العمر، والكثير من الفرح.