ماذا تعلمت من أهل بريدة؟

أحمد العرفج
أحمد العرفج
أحمد العرفج

أتحدث اليوم عن أهلي وأجدادي وأعني بهم أهل بريدة، الذين تعلمت منهم كوثراً من الأشياء النافعة، وهذا الذي تعلمته قد يكون موجوداً في المدن الأخرى، ولكنني عرفته منهم، لذلك سينصبّ الحديث على ما تعلمته من أجدادي في بريدة.

خذ مثلاً: لايمكن أن يخرج أحدهم لقضاء مشوار واحد، بمعنى آخر، إذا سافر، هو لا يسافر من أجل قضاء حاجة واحدة، لأنه يرى أنها لا تستحق السفر، بل يسافر من أجل قضاء عدة حاجات، حتى يتفوق على الشافعي الذي يقول:

تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ

إن أهل بريدة تجاوزوا الشافعي في فوائد السفر، وأوصلوها إلى أكثر من عشر.

لقد سافرت قبل أربعين سنة مع أحد أقاربي بالسيارة من بريدة إلى المدينة المنيرة، على ساكن ثراها الصلاة والسلام، حينها عرفت أن أهل بريدة القدامى إذا سافروا إلى المدينة – مثلاً - فهم يسافرون من أجل قضاء عدة حاجات قد تتجاوز العشر، وهي :

أولاً: لكي يتشرف بالصلاة في المسجد النبوي الشريف.

ثانياً: يسلم على الرسول ﷺ وصاحبيه أبي بكر وعمر.

ثالثاً: يحضر بعض الدروس الوعظية في المسجد النبوي، ويطلب العلم على يد بعض مشايخها، حتى لو كانت المدة أسبوع واحد، فكل علم ينفع.

رابعاً: يجلب بعض الدواب وبعض التمور من بريدة لبيعها في المدينة.

خامساً: يشتري بعض التمور التي اشتُهرت بها المدينة لبيعها في بريدة.

سادساً: يشتري عقاراً هناك في المدينة.. و قد يبيع عقاراً اشتراه في زيارته السابقة .

سابعاً: يخطب امرأة ويمسكها بمعروف.. و قد يطلّق أخرى ويسرحها بإحسان.

ثامناً: يزور أخته التي خرجت للتو من الولادة "النفاس".

تاسعاً: يسلّم على بعض أقربائه الذين يعدّ صلة رحمهم واجبة.

عاشراً: يذهب إلى الأسواق في المدينة ليتعرف إلى آخر البضائع وآخر السلع التي وصلت إلى المدينة بحكم أنها حاضرة من الحواضر الإسلامية المهمة.

حسناً ماذا بقي:

يقول أهلنا في مكة: "حج وبيع سبح"، وهم يقصدون تحقيق هدفين من مشوار واحد، بينما أهل بريدة يقولون: "حج قضاء حاجة"، ولم يحددوا هذه الحاجة ببيع السبح، بل تركوا النص مفتوحاً لكل الاحتمالات والحاجات المتعددة التي قد تصل إلى تسع أو عشر حاجات.

هذه بعض مزايا أجدادي أهل بريدة الذين تعلمت منهم، استغلال فرصة الوقت وتوظيفه في قضاء وإنجاز أعمال كثيرة.. لذلك حين أخرج لرياضة المشي أولاً، أقوم بالتصوير ثانياً، وأسمع محاضرة جيدة عبر الكتاب المسموع ثالثاً، وأكتشف الجديد في الحي رابعاً، وأسلم على الناس خامساً، وأكسب الصدقات من خلال ابتسامتي في وجوه العابرين .

وهكذا أستثمر الوقت وأشحنه بكل ما هو مفيد، وأقضي أكثر من عشر حاجات في وقت واحد .