يومٌ تحتفلُ به الدُّنيا وتتذكّره، وتتذكّر فضلَ ذلك الرّجلِ المعطاء، والجبل الصّامد في وجه النّوائب، جبلٌ يقف كمصدّ للرِّياح، يحمي عائلته غير آبهٍ بما قد يصيبه من مخاطرَ، إنّه الأب.. ونظراً لمكانته الكبيرة، فقد تمّ ذكر بعض القصص الدّالّة على الأبوّة العظيمة، كقصّة سيّدنا إبراهيم الذي حمل على عاتقه مسؤوليّة كبيرة جداً، إذ قام بأخذ زوجته "هاجر" وولده "إسماعيل" الرّضيع إلى وادٍ غير ذي زرعٍ ولا ماءٍ، وتركهم في ذلك المكان، ومعهم كيس من التّمر وقربة صغيرة فيها القليل من الماء، حيث سألته زوجته: الله أمرك بهذا؟ فأجاب: نعم، فقالت: إذاً لن يُضيّعنا.
وهنا رفع إبراهيم عليه السّلام يديه بالدّعاء متضرّعاً إلى الله، وهو يهمّ بالعودة: "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" (إبراهيم 37)، ثم همّ عائداً إلى بلاد الشام.
لقد أخذ سيدنا إبراهيم قراراً بترك زوجته وولده في ذلك المكان وحدهم، لم يكن يفهم ذلك القرار، إلّا أنّهُ أمرٌ من الله عزّ وجلّ، ففعله من دون تردّد، وقد دعمته زوجته في هذا القرار بقولها: "لن يضيّعنا الله"، وهذا دليل على مدى ثقتها بالله أوَّلاً، ودعمها لزوجها في قراراته ثانِياً.
بعد زمنٍ عاد سيّدنا إسماعيل وكان قد كَبُرَ وتزوّجَ، فقالَ سيدنا إبراهيم لابنه إسماعيل إنّ الله أمرَه أن يذبَحَهُ، ونحن كبَشر لا نستطيع أن نتخيّلَ والداً يخبر ولده بقرارٍ كبيرٍ كهذا، فقد قرّر ذبحهُ، وخاصةً بعد طول غيابٍ سيدنا إسماعيل عن أبيه، ما يوضّح لنا مسؤوليّة الأب، وأنّ قراراته التي يتّخذها قد تكون في نظرنا خاطئة ولكنّها بنظره سليمة وصائبة، فهو قوّام ٌ على أسرته محقق لطلباتها، كما أنَّ الأب صمغ الأسرة، مع عدم تجاهل دور المرأة، فهي الدّاعم وأساس المنزل، بينما الرّجل هو المنفق والسّند والذّخر.
يوم الأب العالمي لا يعني ألّا نحتفل به إِلّا في هذا اليوم، بل إنّ كلّ يومٍ يعودُ فيه الأبُ من عمله هو عيدٌ لأسرته، يحتفلون بوجوده بينهم، فتحيّة لكلّ رجلٍ وأبٍ عظيم، يتّخذ قراراته الصّعبة لما فيه مصلحة أسرته، فهو في العين ، وعلى الرّأس، ويستَحِقُّ تلك المكانة العظيمة في القلب.