جملة تتردّد على مسامعنا كثيراً وألسنتنا، كذلك أنّه من عاب ابتلى، فهل من الممكن أن تكون هذه الجملة صحيحة وتتحقّق؟، نعم إنّها صحيحة ونلاحظها في حياتنا كثيراً، فمن الممكن أن يتكلّم البعض عن الآخرين في غيابهم سواء أكان خيراً أم شرّاً كالنّميمة مثلاً، أو يتمّ إصدار الأحكام المسبقة على تصرّفاتهم، من دون معرفة الحقيقة وأسبابها، كذلك الانتقادات، ولا ننسى الجلسات النّسائية الّتي كثيراً ما تتضمّن مثل هذه الأمور، حيث تتحدّث إحداهنّ عن صديقة لهنّ بعد مغادرتها المجموعة بمعنى تتحدّث عنها في غيابها بما تكره، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ليس المقصود من: (من عاب ابتلى) أنّ المتكلَّم عنه يمتلك العيب والنّقص، فقد يكون بريئاً من ذلك تماماً، وبريئاً من تلك الصّفات المنسوبة إليه، ولكن المفروض عدم ذكر الشّخص إلّا بالخير من دون التطرّق للأمور الثّانويّة الأخرى الّتي يكرهها ،حتى لا يكون كمن يأكل لحم أخيه نيئاً، فإن كان ولا بدّ من الكلام، فالنّطق السّليم أو الصّمت الحكيم.
البعض طبعهم كهؤلاء، التحدّث عن الآخرين بلا مبالاة، وهنا وجب التّنويه أنّ الدّنيا دوّارة، ومهما طال الزّمن سيعود وسيضع المتحدِّث مكان المتحدَّث عنه وفي موقفه نفسه، وسيعلم أنّ هذا هو سبب كلامه القديم عنه، لذا فعلى الإنسان أن يكون ذكيّاً، ويعلم أنّ ما يزرعه اليوم سيحصده غداً، ومن زرع شعوراً حسناً في صدر أحدهم، سيضع الله في صدره شعوراً مثله، لأنّ الحياة تسير وفق قانون الدّوران، أي أنّ كلّ ما نفعله يعود إلينا من دون أن يتجاوز ذلك أي إنسان، عاجلاً أم آجلاً، فاختر لنفسك ما تودّ أن يعود إليك، ومن أحسن عمله عاد إليه عملاً حسناً ومن أساء عاد إليه كذلك، تحقيقاً للقاعدة (كما تدين تدان)، حيث يعود الدّين بالصّفة نفسها مع اختلاف التّوقيت والزّمن، يعود الظّلم على الظّالم بما ظلم، والشّامت بما شمت، والطّيّب بما أحسن، والمسيء بما أساء وفعل، وبدوره نجد أنّ قانون الدّوران هذا جيّد إن كان ما فعله المرء جيّداً، أمّا إن كان العكس فالنّتائج ستكون محزنة، ويتوجّب على المرء أن يكون حكيماً ولا يفعل إلّا ما يريد أن يعود إليه، وأن يفوّض أمره لله إن ظُلِم أو كُسرَ ولن يخذله الله أبداً، لأنّ الدّنيا صغيرة، وكلّ شخص سيشرب من الكأس الّذي سقى منه الآخرين، سواء كان مرّاً أو حلواً، لذا اتّخذ لنفسك قانوناً تسير عليه في الحياة ألّا تفعل إلّا حسناً طيّباً، حتّى يعود إليك في طريق عودة دوران دولاب الحياة، وحتّى تجده كهديّة جميلة لطيفة تجبر الخاطر وتزيل الهمّ وتسعد القلب والرّوح، فارحم تُرحم، اجبر تُجبر، أسعد تُسعد، وهكذا، فالله جميل ولا يعطي إلّا جميلاً.