تحل علينا في هذه الأيام ذكرى عزيزة ألا وهي يومنا الوطني الذي يزورنا كل سنة مرة، وكأنه أغنية فيروز التي تقول: "زوروني كل سنة مرة".
قبل أن نبدأ بالاحتفال بالوطن ونتغزل بعطاياه ومزاياه، دعونا نعرّف الوطن ونشير إلى مفهوم الوطنية فنقول:
"الوَطَن، هو تِلك المِسَاحَة الجُغرَافيّة مِن الأَرض؛ التي أصبَح بَينك وبَينها رَوابِط مُشتركة، تُغذّي شعُورك كُلَّما شَعرتَ باليَأس، وتُشبِعك حِين تَحسّ بالجُوع، وتَأنَس بِهَا حِين تُداهمكَ الغُرْبَة، مِن هُنَا قَالوا إنَّ أقسَى أنوَاع الغُرْبَة؛ حِين يَشعر الإنسَان بأنَّه غَريب في وَطنه..!
أمَّا الوَطنيّة، فهي مَفهوم يَستهدف السّلوك والتَّطبيق، لَا النَّظريّة والتَّصفيق.. الوَطنيّة شعُور خَفي يَنعكس عَلى سلُوكك، لذَلك مَن يَسرق أو يَرمي النِّفَايَات في شَوارع الوَطن، ومَن يُقصّر في عَمله، ومَن يَتأخّر في دَوامه، كُلّ مَن يَفعل هَذه الأفعَال يُعدّ مَخروم الوَطنيّة، غَير كَامل الدَّسم فِيها، لأنَّه بهذه التصرفات قد خَان حَبيبه وهو الوَطن، فالوَطن حَبيب، ومِن هُنَا جَاءت الأُغنية الشَّهيرة: (وَطني الحَبيب وهَل أُحب سوَاه)..!
إنَّ الوَطن مِلكٌ للجَميع، ولَا أَحَد يُزايد بِهِ عَلَى الآخَر، ولَا يَجب أن يُزايَد بِه أَحَد عَلى غَيره، فالنَّاس مُتسَاوون في الوَطنيّة؛ مَا لَم يَثبت عَكس ذَلك، ويُفترض ألَا يَعبث أَحَد بهَذا المَفهوم، ولَا أنْ يَستغله البَعض ضِد البَعض الآخَر، كتُهمة التَّخوين أو ضَعف الوَطنية، حتَّى لَا يَفلت مِن يَدنا هَذا السِّلاح، ويُصبح الكُلّ ضِد الكُلّ..!
إنَّني أُردّد دَائماً مَع الأَديب الكَبير، أو "الدَّكَاترة" زكي مبارك حِين قَال: (لَا أُحب أنْ يَسبقني أَحَد في حُب الوَطن)، مِن هُنَا دَعونا نَتسَابق في حُب الوَطَن، ولَكن مَا لَا يعجبني في "الدّكاترة" زكي مبارك؛ عِبَارته الشَّهيرة حِين قَال: (لَا أَحَد يُحب وَطنه كَما أُحبّه أنَا)..!
إن حب الوطن وخدمته والدفاع عنه متاح لكل من يحبه، "وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" .
في النهاية أقول:
ها نحن نحتفل بعرس الوطن الذي يحمل رقم (91) وهو مكلل بالنجاح وعامر بالفلاح.
وإذا أردت أن أخصص العام كما هي لغة أهل التفسير، فإنني سأشير إلى (رؤية 2030) المباركة المثمرة التي تتمدد وتغذي وتنعش كل مفاصل الوطن.
في هذا السياق لن أنسى الخطوات التي تحققت والقفزات التي حصلت في مجال التعليم وتمكين المرأة ونمو الاستثمارات والنجاح الباهر في مواجهة كورونا، والهمم المشتعلة بين أبناء وبنات الوطن، التي صارت تشبه جبل طويق، بل إن كل ما في الوطن من أنحاء يردد بكل نشاط وقوة قائلاً: "همة حتى القمة" ولا عجب في ذلك لأن السعودية "هي لنا دار".