من يتابع ويلاحظ تعامل بعض الآباء والأمهات مع أولادهم يدرك ملاحظة لا تخطئها العين، وهي الدلال الزائد لأبنائهم، بحيث يحققون لهم كلّ سُبل الراحة، ويقومون بدلاً عنهم بكلِّ الواجبات والأعمال التي كان من المفترض أن يقوموا هم بها، حتى إذا كبر الابن أو كبُرت الابنة وجدا نفسيهما لا يعرفان من أعباء الحياة وأعمالها وأدواتها إلا الأكل والشرب والخروج والتفسُّح والسفر.
يقول الإمام علي ابن أبي طالب - كرّم الله وجهه -: "يجب أن تُشفق على ولدك من إشفاقك عليه".. يا لها من نصيحة، حيث أن إشفاق بعض الآباء والأمهات على أبنائهم وحرصهم الزائد على تدليلهم يقتل في الأبناء كلّ فرصة لممارسة الحياة وخوض غمارها، كما يقتل فيهم القدرة على التعلُّم من مدرسة الحياة.
أما ما يخصُّ البنت فقد جاءت في بعض الكتب الإنجليزية حكمة تقول: "الأم النشيطة تعلِّم ابنتها الكسل". هذه الحكمة تتجسّد على أرض الواقع في شكل حقيقة، حيث نجد أن كثيراً من الأمهات تبقي ابنتها في غرفة الراحة، وتذهب هي وتقضي وتُنجز كلّ المهمات التي من المفترض أن تقوم بها ابنتها، وهذا التصرُّف من الأم يقضي على كلّ فرصة للفتاة كي تتعلّم شيئاً من فنون الحياة وطرقاً من طرق التعامل معها، ولا يحتاج أن نذكِّر بأن هذه الفتاة وذلك الشاب سيصبحان يوماً بمفردهما وجهاً لوجه في مواجهة الحياة والأيام، وحينها سيدرك الأبوان مقدار الخطأ الذي ارتكباه حين دلّلاهما دلالاً زائداً.
في تلك اللحظة بالذات ستتولى الحياة تربية وتأديب هؤلاء الأبناء من جديد، وقد قالت العرب: "من لم يؤدبه أبواه أدّبه الليل والنهار".
في النهاية أقول :
يا قوم قد نتجاوز تدليل الوالدين لأبنائهم، وقد نتجاوز عن خدمة الأم لابنتها، ونتجاوز عن أكثر من ذلك، ولكن ما لا نستطيع تجاوزه مصير الأبناء والبنات حين يواجهوا الحياة بخبرة منقوصة، فهم حينها لن يشكروا آباءهم وأمهاتهم على الدلال، وإنما سيلقون عليهم باللائمة، لأنهم أعطوهم من الدلال أكثر مما يلزمهم، وهذا الدلال حرمهم لذّة التجربة ومتعة اكتشاف الحياة.