شهد قطاع التعلّم والتعليم خلال السنوات الأخيرة تطوُّرات ملحوظة بفعل تطوُّر التكنولوجيا. وأصبح البحث على شبكة الإنترنت جزءاً من التعلّم المدرسي، كما حلّت الأجهزة اللوحية محل الكتب أو بعضها في المدارس «الطليعية». ولكن كل هذه التطوُّرات التي أدهشتنا بالأمس القريب، قد تفقد بريقها أمام ما هو مُرتقب من دخول الذكاء الاصطناعي قطاع التعليم، الأمر الذي بدأ يطل برأسه فعلاً، واعداً بتحوُّلات غير مسبوقة في مجال هذا القطاع.
الذكاء الاصطناعي هو فرع من فروع علوم الحاسبات. وتبيِّن أحدى التعريفات أن للذكاء الاصطناعي سلوكاً وخصائص معيَّنة، تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية، وأنماط عملها. فهي صممت لتكون تقليداً لتصرفات العقل البشري. ومن أهم هذه الخاصيات القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج عليها الآلة.
التأثيرات الإيجابية لدخول الذكاء الاصطناعي والروبوتات مجال التعليم
من المتوقع أن تنتقل الفصول الدراسية قريباً من الإطار التقليدي للتعلم إلى استخدام مزيج من الروبوتات والذكاء الاصطناعي المصمم حسب الحاجة، وستستفيد نسبة كبيرة ومتزايدة من الطلبة من الروبوتات التي تتسم بالاستمرارية والمرونة، كما سيتحرَّر معلمو الصفوف من الأمور الإدارية وسيتفرغون للتركيز على الطلاب.
وبالنسبة للصف الدراسي نفسه، فإن خيارات «الخدمات المتخصصة وفق الاحتياجات» التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي من شأنها أن تساعد على تحسين استمتاع الطلاب خلال الحصص وتحسين درجاتهم في الوقت نفسه. كما أن الروبوتات المدرّبة على نحو جيد يمكنها استكمال دور المعلمين ذوي الخبرة في تقديم الدروس الخصوصية والحصص الإضافية لتقوية وتنمية مهارات الطلاب.
وتستطيع هذه التقنية أن تحل مشكلات قلة المعلمين أو شح توفر المعلمين الأكفاء في بعض المجالات. فهي ستساعد المعلّم العادي على أن يطوِّر قدراته وستسد أي نقص موجود لديه. ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى أنه لا يفترض بالذكاء الاصطناعي أن يحل محل الذكاء الفطري أو الطبيعي. فالغرض ليس استبدال المعلم في الفصول المدرسية أو الاستغناء عنه بالكامل، وإنما أن يعمل العقل البشري جنباً إلى جنب مع العقل الاصطناعي في توليفة محسوبة متقنة.
وثمة مشكلة أخرى يمكن أن تسهم تقنيات وبرمجيات وأساليب متعدِّدة أيضاً وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحد من آثارها، وتتمثل في هذا الانفجار المعلوماتي والتطوّر التقني والمعرفي المضطرد، لدرجة أنه من المتوقع أن تقتصر صلاحية المعــارف التي يتعلمها المرء في المستقبل على خمس سنوات!
وإذا كان تطوير المناهج العلمية وطباعة الكتب المدرسية عبارة عن عملية طويلة ومعقّدة قد تستغرق هي بدورها خمس سنوات، فإنه مع الذكاء الاصطناعي في الأجهزة والبرمجيات التعليمية فستكون قادرة على استنتاج المعارف والمهارات المطلوبة في وقـت معيّن، وبالتالي تحديث الدروس تلقائياً وتقديمها للطالب بشكل يناسب احتياجاته وقدراته.
وحتى خارج الصف المدرسي، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تقدِّم الدعم المطلوب للطالب. فالطلبة الذين يتعلَّمون المبادئ الأساسية في القراءة والعلوم والرياضيات وغيرها من العلوم يعتمدون أساساً على الشرح من معلميهم وأهاليهم لفهم هذه الأسس والقواعد.
حين يتوفَّر المساعد الذكي والمتفرغ، والذي يستطيع فهم نفسية الطالب ومعرفة قدراته ونقاط قوته وضعفه، والموضوعات التي يعاني فيها من قصور في الفهم أو نقص في المعلومات، فيمكنه عندئذ أن يكيف المادة العلمية، بل حتى العملية التعليمية بأكملها بما يناسب إمكانات الفرد، فيقدِّم المساعدة المطلوبة والدعم اللازم في الوقت المحدَّد وبالشكل المناسب لكل طالب على حدة.
وتستخدم أنظمة التدريس الذكي عدداً من تقنيات التعلّم الآلي وخوارزميات التعلّم الذاتي التي تجمع مجموعات البيانات الكبيرة وتحلّلها. ويسمح هذا الجمع للأنظمة أن تقرّر نوع المحتوى الذي ينبغي تسليمه للمتعلّم بحسب قدراته واحتياجاته.