مع كل يوم يمر يحمل لنا العلم أحداثاً واستكشافاتٍ جديدة، تفسر الكثير مما يدور حولنا، لكن مع ذلك لا يزال هناك بعض المعطيات والمستجدات العلمية، التي تفرض علينا من الحيرة والجدل وأحياناً البلبلة، وبحسب الدكتور محمد علي فهيم خبير المناخ لعل من أبلغ الأمثلة على هذا قضية هو ثقب الأوزون، وما تبعه من قضية التغير المناخي.
إذ كان أغلب الحديث خلال السنوات الماضية يدور حول تداعي مشكلة الاحتباس الحراري واتجاه كوكب الأرض نحو التسخين، وتوقع تغير المناخ العالمي وحدوث تداعيات مستقبلية خطيرة، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وغرق بعض الأجزاء الساحلية وخلافه.
الآن، الحديث بدأ يدور عن خضوع كوكبنا الأزرق لموجة جديدة من التبريد، وقرب وقوعنا تحت عصر جليدي قادم. ترى هل هناك بالفعل بواعث علمية جدية لهذا التخمين؟ وهل نحن مقبلون حقاً على عصر جليدي مصغر أو لنقل فترة تبريد جديدة؟ أم أنه فصل جديد من الحيرة وعدم اليقين؟!
قبل قرون قليلة مرت الكرة الأرضية بفترة جليدية معتدلة، أطلق عليها اسم «العصر الجليدي الصغير». تزامن جزء من العصر الجليدي الصغير مع فترة من النشاط الشمسي المنخفض أطلق عليها اسم Maunder Minimum (سميت على اسم عالم الفلك إدوارد ماندر). ويعتقد أن مزيجاً من انخفاض الإنتاج الشمسي والنشاط البركاني المرتفع كانا من المساهمين الرئيسيين، مع وجود تغيرات في دوران المحيطات لها أيضاً تأثير على درجات الحرارة الأوروبية، فهل من الممكن أن نكون على وشك الدخول في «ميندر مينيموم» (عصر جليدي) آخر ؟
التأثير على مناخ الأرض
شهد عام 2009 إنتاج الطاقة الشمسية عند أدنى مستوى لها منذ أكثر من قرن. ومع ذلك، فإن التنبؤ بالنشاط الشمسي في المستقبل غير دقيق وصعب، لكنه يشير إلى أن الشمس تدخل بداية فترة العصر الجليدي في القرن الواحد والعشرين، فما هو تأثير ذلك على مناخ الأرض؟
إن انخفاض درجة الحرارة من الشمس ضئيل مقارنة بزيادة الحرارة من غازات الاحتباس الحراري التي يصنعها الإنسان مثل السيارات والمصانع، ويقدر التبريد من الطاقة الشمسية المنخفضة في حوالي 0.1 درجة مئوية (مع أقصى قيمة ممكنة من 0.3 درجة مئوية)، في حين أن ارتفاع درجة حرارة غازات الاحتباس الحراري سيكون حوالي 3.7 درجة مئوية إلى 4.5 درجة مئوية، وهذا يتوقف على كمية ثاني أكسيد الكربون التي نصدرها طوال هذا العصر.
ومع ذلك، فقد شهد مناخنا تغيراً أكثر قوة من العصر الجليدي الصغير. على مدار 400 ألف سنة مضت، عانى الكوكب من ظروف العصر الجليدي، تتخللها كل 100 ألف سنة أو نحو ذلك فترات حارة قصيرة وجيزة. هذه الفترات الدافئة تدعى الجليديات، تدوم حوالي 10 آلاف سنة. بدأ تداخلنا بين الجليدية الحالية منذ حوالي 11 ألف سنة. فهل يمكن أن نكون على شفا نهاية جغرافيتنا؟
كيف تبدأ العصور الجليدية؟
التغييرات في مدار الأرض يتسبب في سقوط ضوء الشمس (التشمس) على نصف الكرة الشمالي خلال فصل الصيف، فتذوب طبقات الجليد الشمالية خلال هذا الفصل، وتنمو تدريجياً على مدى آلاف السنين. هذا يزيد من بياض الأرض الذي يضخم التبريد، وينشر الصفائح الجليدية أبعد. تستمر هذه العملية حوالي 10 آلاف إلى 20 ألف سنة، وبذلك يصبح الكوكب في عصر جليدي.
ما هو تأثير انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على أي عصور جليدية في المستقبل؟ تم فحص هذا السؤال في إحدى الدراسات التي تبحث في «الزناد» الجليدي - الانخفاض المطلوب في فصل الصيف الشمالي لبدء عملية تزايد الصفائح الجليدية، فكلما ازدادت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإن انخفاض الشوائب يجب أن ينخفض ليؤدي إلى التجلد.
وحتى نطمئن، لا يوجد عصر جليدي يحدث بين يوم وليلة. لأولئك الذين لديهم شكوك مطولة بأن العصر الجليدي قد يكون وشيكاً، أدر عينيك نحو الصفائح الجليدية الشمالية. إذا كانت تنمو، إذن نعم، قد بدأت عملية التجلد التي بلغت 10 آلاف. ومع ذلك، فإن الجليد الجليدي في القطب الشمالي حالياً يعتبر قليلاً، في حين يذوب جليد البحر القطبي الشمالي ويخسر الغطاء الجليدي في غرينلاند بوتيرة متسارعة. هذه ليست ظروفاً جيدة لعصر جليدي وشيك.
بداية عصر جليدي في 2020
تشير دراسات حديثة، إلى أن العالم سيشهد انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة اعتباراً من العام 2020 حتى 2050، بسبب تراجع النشاط الشمسي، ما سيعني دخول العالم في عصر جليدي مصغر، وقال أحمد كوسيه، رئيس قسم مهندسي الأرصاد الجوية التابع لاتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك، إن دراسة علمية صدرت مؤخراً تفيد بأن البقع الشمسية تتعرض لتناقص بشكل يشبه الفترة التي يطلقها عليها «العصر الجليدي الصغير»، وهي حالة المناخ التي شهدتها مناطق واسعة من القارة الأوروبية بين عامي 1645 و1715.
وأشار إلى أنه في حال استمرار التناقص على هذا النحو، فإنه من المحتمل أن تشهد مناطق واسعة من العالم عصراً جليدياً صغيراً مجدداً في الفترة بين 2020- 2030، وهو ما يعني انخفاضاً في درجات الحرارة، وذلك حسب ما نشرت وكالة الأناضول.
وأضاف «في السنوات 15-20 الأخيرة، تناقصت أيام الربيع والخريف بمعدل 25 يوماً، وازدادت أيام الصيف قياساً إلى الأعوام السابقة»، وتابع قائلاً: «في حالة العصر الجليدي سيحدث العكس تماماً، حيث سيبدأ الشتاء بمدينة إسطنبول في نوفمبر/ تشرين الثاني بدلاً من ديسمبر/ كانون الأول، على أن ينتهي في أواسط أبريل/ نيسان بدلاً من مارس/ آذار، كما أن عدد الأيام التي ستشهد تساقط ثلوج ستزداد إلى 30 يوماً بدلاً من 15».
وتوصل علماء إلى أن عصراً جليدياً صغيراً من المنتظر أن تشهده الكرة الأرضية بين أعوام 2020- 2030 نتيجة تناقص النشاطات على الشمس، ما سيساهم في إبطاء الاحتباس الحراري العالمي، وفي هذا الإطار، طورت العالمة فالنتينا زاكروفا، بروفيسورة الرياضيات في جامعة نورثومبريا البريطانية، برفقة فريقها، نظاماً حسابياً جديداً يساعد في توقع التغيرات المناخية في المستقبل بطريقة رياضية، ووفقاً لهذا النظام الحسابي، فإنه مع تناقص الموجات المغناطيسية على الشمس، ستشهد درجات الحرارة بين عامي 2021- 2050 انخفاضاً كبيراً.
بواعث التبريد العالمي
لكل قضية باعث ومحفز، وبالنسبة للتبريد العالمي فقد لاحظ بعض العلماء بدء انخفاض درجة الحرارة على سطح الأرض وتراجع متوسطاتها خلال السنوات القليلة الماضية، وهذا بالتزامن مع خبوت النشاط الشمسي مؤخراً بنسبة 60%، وتعاقب ظاهرتي «النينو» و«اللانينا» بالمحيط الهادي، وتأثيرهما على المناخ وأحوال الطقس وغير ذلك، ما دفع بالاعتقاد بأن العالم قد بدأ يعاصر فترة تبريد جديدة، قد تشتد تدريجياً، وقد تمتد حتى العام 2060، ما يعني أننا لسنا بصدد حالة مؤقتة أو تغير مناخي عارض.
وبالنسبة للنشاط الشمسي، فهو يؤثر بشكل كبير على درجة الحرارة على سطح الأرض، وهذا من واقع تأثير الإشعاع الشمسي، وأيضاً من واقع عدد البقع الشمسية التي تظهر بين الفينة والأخرى على سطح ذلك النجم المضيء الهائل الحجم (الشمس).
فحينما يزيد الإشعاع الصادر من ذلك النجم، والذي تصل درجة الحرارة على سطحه إلى ستة آلاف درجة مئوية، يمتد ويتزايد بالتبعية تأثير اللفح الحراري الناتج عنه، مما يتسبب بدوره في ارتفاع درجة الحرارة.
وعندما تقل شدة هذا الإشعاع أو يزيد عدد البقع الشمسية المظلمة نسبياً -أي البقع المظلمة التي تتميز بدرجة حرارة منخفضة نسبياً عن محيطها، ونشاط مغناطيسي زائد يمنع حمل الحرارة- يحدث العكس وتنخفض الحرارة على سطح الأرض بشكل لافت.
ويبدو أن هذا هو الحادث حالياً، حسبما يشير الباحثون والعلماء المتخصصون، حيث يرتبط النشاط الشمسي عموماً، وعدد البقع الشمسية خصوصاً، بدورات متعاقبة تسمى الدورات الشمسية، كل منها يستمر لمدة 11 عاماً أو أزيد قليلاً.
وبحسب ما يفيد هؤلاء الباحثون، فإن الأرض قد خرجت للتو من تأثير أطول دورة شمسية خلال مئة العام الأخيرة، وهي الدورة رقم 24 التي بدأت في العام 2004 والتي كان لها تأثير كبير في التسخين وزيادة درجة الحرارة على سطح الأرض خلال السنوات الماضية.
وظاهرتا «النينو» و«اللانينا» لهما كذلك علاقة وثيقة بالمناخ، فهاتان الظاهرتان تنشآن وتتطوران في المنطقة الاستوائية في المحيط الهادي كل فترة، ويؤدي كل منهما إلى التأثير على أنماط توزيع الغيوم ومتوسط درجة الحرارة بشكل مختلف، وإن كانت مدة هذا التأثير تعتبر أقل زمنياً مقارنة بمدة تأثير الدورات الشمسية.
ويتمثل تأثير «النينو» في زيادة درجة حرارة المياه السطحية في تلك المنطقة بشكل لافت، خاصة في فصلي الصيف والخريف، ما ينتج عنه تولد تيارات مائية بحرية دافئة، وتحركها شرقاً لمسافات طويلة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تغيرات مناخية وبيئية قاسية، أبرزها ارتفاع درجة الحرارة وزيادة موجات الجفاف واضطراب المناخ بشكل عام بالقرب من سواحل أستراليا الشرقية وإندونيسيا، وتأثيرات مماثلة لكنها أقل حدة على سواحل الهند وشرق أفريقيا وبقاع أخرى بنصف الكرة الجنوبي.
التأثيرات المستقبلية
بطبيعة الحال يمكن أن يؤدي الانخفاض المتوقع في درجة الحرارة إلى حدوث تأثيرات مستقبلية كثيرة، وتداعيات عديدة في أكثر من منحى ومجال. وبداية لا شك أن هذا الانخفاض سوف يؤدي حتماً إلى زيادة استهلاك الطاقة بشكل ملحوظ، وبالتالي زيادة الضغط الواقع على محطات إنتاج الطاقة وتحلية المياه وبقية المرافق المماثلة.
كما يمكن أن يؤدي هذا الانخفاض إلى تقصير موسم النمو الزراعي والتأثير سلباً على معدلات إنتاج الحبوب خاصة في المنطقة المعروفة باسم حزام القمح في كل من الولايات المتحدة وكندا، وهي من أكثر المناطق إنتاجاً للمحاصيل الغذائية، ما يعني تزايد احتمالات حدوث المجاعات بسبب النقص الحاد المتوقع في إنتاج الغذاء.