من أشهر التساؤلات التي تُثار بعد حوادث الطائرات المختلفة قول الناس، أين الصندوق الأسود؟، ولا يعرفون ماهية الصندوق الأسود، فأغلب الناس يرى أنه مجرد صندوق لونه أسود يقوم مقام جهاز التسجيل، حيث يسجل أصوات الناس داخل الطائرة ليتبين الخبراء سبب سقوط الطائرة، وهذا الاعتقاد هو جزء من حقيقة هذا الصندوق، ولكن لا يعبر عن ماهيته تعبيراً واضحاً.
وبحسب المهندس مصطفى رجب، خبير الطيران المدني، عند حدوث أي كارثة طيران نجد دائماً العديد من الأسئلة التي لا تتم الإجابة عليها مثل:
ما سبب حدوث الكارثة؟ لماذا سقطت الطائرة؟
متى سقطت؟ وكيف؟ والعديد من الأسئلة والاستفسارات الأخرى.
لهذا يبدأ المحققون المختصون على الفور في البحث عن الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة
ويلجأون دائماً إليه، حيث يحوي كل التسجيلات الخاصة ببيانات الرحلة.
يوجد في كل طائرة صندوقان:
الأول: يحوي التسجيلات الخاصة ببيانات الرحلة.
والثاني: يحتوي على التسجيلات الخاصة بمقصورة القيادة.
وتبلغ تكلفة الصندوق الواحد ما بين عشرة وخمسة عشر ألف دولار.
ورغم أن اسمها الصناديق السوداء فإنها تأتي في الواقع في لون برتقالي زاهٍ.
وهذا اللون المميز يضاف إليه بعض الشرائط العاكسة الملتصقة بسطح الصندوق، حيث يساعد المحققين على تحديد مكان الصندوقين عقب أي كارثة، وتظهر فائدة هذا التصميم بشكل خاص في حالة سقوط الطائرة في الماء.
سر تسمية الصندوق الأسود
هناك قصتان حول سبب تسمية الصندوقين بهذا الاسم:
الأولى تقول إن السبب هو أن الصناديق في البداية كانت تطلى باللون الأسود،
بينما الثانية تقول إن السبب يرجع إلى اللون الأسود الذي يغطي كل شيء بسبب الحرائق
التي تنجم عن كوارث سقوط الطائرات.
وأغلب الصناديق السوداء المستخدمة اليوم كانت تعتمد على شريط مغناطيسي يشبه شريط
الكاسيت، وقد استخدم لأول مرة في ستينيات القرن الماضي.
وتعمل الشرائط المغناطيسية كأي شريط تسجيل، حيث يتم لف رأس مغناطيسية حول
الشريط ذاته، وبالتالي يمكن حفظ المعلومات على تلك الرأس.
ثم تحولت شيئاً فشيئاً إلى الاعتماد على لوحات ذاكرة صلبة أو ما يسمى بالمسجلات الصلبة، حيث بدأ استخدامها لأول مرة في التسعينيات.
ونتيجة لظهور هذه المسجلات الصلبة توقف صناع الصندوق الأسود عن صناعة المسجلات المزودة بالشرائط المغناطيسية.
تخزن المعلومات الخاصة بالصندوقين الأسودين في طاقم لوحات الذاكرة داخل الوحدة
المخصصة للذاكرة، ولا يزيد قطر لوحات الذاكرة عن 75. 1 بوصة أو 45، 4سم
وطولها نحو بوصة أو54. 2 سم.
اختبار جودة الصندوق الأسود
وللتأكد من جودة وقوة الصناديق السوداء يقوم صناع تلك الأجهزة باختبار وحدة حيازة الذاكرة بدقة، فيقوم المهندسون بتعبئة بعض المعلومات داخل لوحات الذاكرة الموجودة في وحدة حيازة الذاكرة، بينما بعض شركات الاتصالات تستخدم أسلوباً عشوائياً لإدخال البيانات داخل كل لوحة من لوحات الذاكرة.
بعد ذلك يتم مراجعة هذه المعلومات لتحديد إذا كان أي من البيانات قد تعرضت للتلف بسبب تأثير الحادث أو الحريق أو حتى الضغط.
والصناديق السوداء المعتمدة على التكنولوجيا القديمة والتي تستخدم الشريط المغناطيسي تقوم بتخزين آخر 30 دقيقة من الصوت، حيث يستخدم نوع من الشرائط التي تنهي دورة كاملة كل 30 دقيقة، وعندما يتم تسجيل مواد جديدة تحل محل الأصوات القديمة،
أما الصناديق السوداء المعتمدة على التكنولوجيا الحديثة والتي تستخدم المسجلات الصلبة فيتسع الصندوق الأول الذي يحوي التسجيلات الخاصة ببيانات الرحلة إلى 25 ساعة من المعلومات، بينما يتسع الصندوق الثاني الذي يحتوي على التسجيلات الخاصة بمقصورة القيادة إلى ساعتين من المعلومات.
في الطائرات الخاصة بالرحلات التجارية يوجد العديد من الميكروفونات داخل مقصورة القيادة لتسجيل أحاديث طاقم الطائرة، وهذه الميكروفونات قد صُممت أيضاً لتسجيل أي صوت آخر داخل مقصورة القيادة مثل طرقات الباب أو صوت سقوط أي شيء.
كل المعلومات التي تجمعها أجهزة استشعار الطائرة يتم إرسالها إلى وحدة حفظ بيانات الرحلة، والتي تقع في مقدمة الطائرة وهذا الجهاز دائماً يوجد في منطقة الأجهزة الإلكترونية أسفل مقصورة القيادة.
وتعد وحدة حفظ بيانات الرحلة بمثابة الوسيط في عملية تسجيل البيانات كلها، فهي تحصل على المعلومات من أجهزة الاستشعار ثم ترسلها إلى الصندوق الأسود.
وكل من الصندوقين مزود بواحد من اثنين من مولدات للطاقة التي تتغذى على الطاقة المتوافرة من محركات الطائرة.
بعد الحادث يتم العثور على الصندوق الأسود، بالإضافة إلى لون الطلاء والشرائط العاكسة، فإنه يوجد في زاوية كل صندوق أسود جهاز على شكل جسم أسطواني صغير، وهذا الجهاز الأسطواني لديه جهاز استشعار يشبه عين الثور، فعندما يسقط الصندوق الأسود في الماء وعندما يلمس جهاز الاستشعار الماء فإنه تلقائياً وبشكلٍ فوري يقوم بتشغيل الجهاز الأسطواني الذي يصدر نوعاً من الإشارات أو النبضات من تحت الماء، والتي لا يمكن أن يسمعها الإنسان، وهذه النبضات يتم التقاطها بواسطة جهاز السونار أو أجهزة التتبع، قوة النبضات37. 5 كيلوهيرتز ويمكن نقل الصوت حتى عمق14 ألف قدم (4267 متراً).
وحينما يبدأ الجهاز في الإرسال فإنه ينبض بمعدل نبضة كل ثانية وذلك لمدة ثلاثين يوماً.
وبعد العثور على الصناديق يأخذ المحققون التسجيلات إلى المعامل لتفريغ المعلومات المسجلة بها في محاولة لإعادة تصوير الحادث، وإذا لم يتعرض صندوق بيانات الرحلةللتلف يمكن للمحققين ببساطة أن يعيدوا سماع التسجيلات بعد توصيلها بأحد الأنظمة المتخصصة بذلك.
إلا أنه في أحيان كثيرة فإن الصناديق السوداء التي يتم إخراجها من الحطام تكون محطمة أو محترقة، وفي هذه الحالة يتم فصل وحدات الذاكرة وتنظيفها ويتم وضع كابل مشترك ثم يتم توصيل وحدات الذاكرة إلى صندوق أسود سليم. وقد تستغرق هذه المهمة أياماً أو أسابيع وربما شهوراً للانتهاء منها.