عندما نذكر كلمة «القوَّة» في أي موضعٍ كان، نلاحظ أنها تُترجَم -في غالب الأحيان- إلى الغضب والجبروت والإكراه، وهذا المفهوم سطحي وقاصِر، ومِن المهم تنوير البعض إلى الجانب الآخر من معاني القوَّة، وأقصد بذلك: جانب قدرة القوَّة على التغيير الإيجابي، وإمكانية الانتقال من وضعٍ إلى آخر، ومن حالٍ إلى آخر، ولعل من أهم وأقوى وسائل التغيير في أي مجتمع، هو «الإعلام»، المُتسلِّح بسلطتهِ الرابعة..!
فنظريات الاتصال والإعلام الحديث، تؤكد أن الإعلام؛ يُركِّز على خمسة أمور لتغيير الأفكار، وبالتالي تغيير المجتمع بأكمله:
أولها: زرع أو تعديل القناعات، ويُقصَد بها هنا: زرع قناعات وقِيَم لكيفية فهم هذا المجتمع للحياة، أو ما هي القناعات والأخلاقيات التي اقتنع بها الناس، ليقوم الإعلام بعد ذلك؛ بزعزعتها واستبدالها بقناعاتٍ أخرى..؟!
ثانيها: زراعة الاهتمامات، وهي تتمحور حول الحاجات؛ التي يهتم بها أفراد أي مجتمع في أوقات فراغهم، فإمَّا أن ترفع سقف اهتماماتهم إلى مستوى النهضة والابتكار، وإمَّا تجعلها تنحدر إلى اهتماماتٍ بتوافهِ الأمور؛ لتستمر معهم باقي العمر، مثل الطفل الذي تزرع فيه حب القراءة، والمعرفة، والنهضة، أو حب الانشغال بالهواتف الذكية، والألعاب الإلكترونية، ليلاً ونهاراً..!
ثالثها: تنمية المهارات أو تعديلها، والمقصود هنا: ما هي المهارات التي يتقنها أفراد هذا المجتمع، فهناك الكثير من المهارات مثل: التقنية الإدارية، والفنية، والرياضية... وغيرها من المهارات التي يحرص عليها الناس، ويسعون إلى اكتسابها ونشرها بينهم..!
رابعها: فن بِنَاء العلاقات، والعلاقات أهم ما يجب أن يتعلَّمه الفرد، لينجح في الحياة، وأكثر مَن يرسم العلاقات بين الناس هو الإعلام، ليُركِّز –مثلاً- على علاقة الأب مع ابنه، فكيف يتصرَّف الابن حين يقول له والده كلاماً خاطئاً، دون أن يكون وقحاً، ودون أن يُسيء الأدب مع والده؟ ، فهذه الأمور لا تأتي بالفِطرة، ولابد أن يكون هناك مَن يُعلِّم الشاب، وهنا يأتي دور الإعلام..!
خامسها: القُدوَات، ومعنى ذلك: مَن هم قُدوَات هذا المجتمع؛ الذين ينظرون إليهم أفراده، ويتمنون لو أنهم يكونون مثلهم، أو أفضل منهم، فمِن خلال قصص كفاح ونجاح القُدوَات، نستطيع أن نُغيِّر الاهتمامات والأفكار، ونعمل على بِنَاء الروابط والعلاقات، وتنمية المهارات..!
في النهاية أقول: على الرغم من أن قوة الإعلام كامنة وغير ملموسة، ومِن الصعب إدراكها، إلا أنه من الممكن أن نلمس آثارها، والتي تتمثَّل في إحداث تغييرات وتحوُّلات إيجابية؛ على مستوى أفراد المجتمع في المدى البعيد، من خلال اللعب على وتيرة الاهتمامات، والقناعات والعلاقات، وغيرها، ومن هنا يجب أن نستذكر تلك المقولة التي تُؤكِّد أن: (الذي يسيطر على وسائل الإعلام، يسيطر على العقول)..!!