عشرات النظريات وضعت خلال السنوات الماضية، حول مستخدمي اليد اليسرى الذين يمثلون 10% فقط من سكان العالم، منها ما هو نتيجة دراسات علمية، ومنها ما هو غير علمي، للكشف عن سبب هذا الاختلاف.
قديماً كان يقال إن الأم التي تختبر الكثير من التوتر خلال حملها، تنجب طفلاً أعسرَ، ولكنها بطبيعة الحال نظرية لا تستند إلى أية أسس عملية.
يقول دكتور أيمن العزوني أستاذ أمراض المخ والأعصاب: الأعسر ليس أعسر اليد فقط؛ بل هو أعسر كل شيء؛ فالاعتماد على الجزء الأيسر يمتد إلى كل الأعضاء الأخرى ومنها القدم والسمع والعين؛ فإن الطريقة التي ينتظم بها دماغ الشخص الأعسر تتسم بتغير وتنوع كبيرين، ويعتقد علماء الأعصاب أن ميزة الشخص الأعسر العصبية هي أن النصف النشط من مخه يكون النصف الأيمن، والذي تتواجد به أيضاً مراكز الإدراك المكاني والأبعاد؛ مما يؤهل الشخص الأعسر لأداء بعض الأنشطة بشكل أفضل، ومن هنا شاعت النظريات بأن الأعسر هو أكثر ذكاء أو إبداعاً.. ولكن الأعسر يمكنه أن يكون مقصراً أو غير مبدع في مجالات أخرى عديدة.
وقد أكدت الدراسات أن استخدامنا ليدنا اليسرى أو اليمنى، يتحدد قبل أن نولد؛ فعندما يبلغ الجنين الأسبوع الثامن، يبدأ بمص إما ابهامه الأيمن أو الأيسر.
والجديد حالياً يؤكد أن الأمر كله يرتبط بـ العمود الفقري وليس الدماغ.
العمود الفقري هو المتحكم
في دراسة أجرتها جامعة بوشوم الألمانية بالتعاون مع مجموعة من العلماء من ألمانيا وجنوب أفريقيا وهولندا، تبين أن نشاط الجينات في العمود الفقري كان غير متماثل في الرحم، وهو ما يحدد إن كان الشخص سيولد أعسر أم لا.
حركة اليد والذراع تبدأ من الدماغ من مكان يدعى القشرة الحركية، والتي ترسل الإشارات إلى العمود الفقري الذي يترجمها إلى حركة.
ولكن وخلال مرحلة نمو الجنين في الرحم وحتى أسبوعه الخامس عشر، يكون العمود الفقري والقشرة الحركية في الدماغ في حالة من عدم الاتصال، ولكن كما قلنا، الجنين في أسبوعه الثامن يحدد أي يد سيستخدم من خلال مص الإبهام.
أي بتعبير آخر، الجنين يكون قد بدأ الحركة واختار اليد المفضلة قبل أن يبدأ الدماغ بالتحكم بحركة الجسم.
بدأ العلماء بعد هذا الاكتشاف بتحليل الجينات في العمود الفقري حين يكون الجنين في أسبوعه الثامن؛ وصولاً إلى أسبوعه الثاني عشر، وقد تم اكتشاف نتائج مختلفة بين الجزء الأيمن والجزء الأيسر من العمود الفقري الذي يتحكم بحركة اليد والذراع عند الذين يعتمدون اليد اليسرى.
وعليه فإن الخلاصة كانت أن الطبيعة اللامتماثلة للعمود الفقري ترتبط بعلم التخلق أو آلية تأثر المخلوقات بالتغيرات في التعبيرات الجينية وليس في الجنيات نفسها، هذه التغيرات بشكل عام سببها البيئة التي تؤثر على كيفية نمو الجنين.
هذه التغيرات الجينية تؤثر إن كانت الجينات في الجزء الأيمن والأيسر من العمود الفقري ستصير متشابهة «أيمن» أو مختلفة «أيسر».