مقاه مزدحمة بالزبائن، ومتنزهات مليئة بالزوار، والآلاف يستمتعون بأوقاتهم في الهواء الطلق، لكن من دون أن يستغنوا عن كماماتهم، هذا هو الحال في كوريا الجنوبية، التي كانت قبل أسابيع في المركز الثاني عالمياً على مستوى الإصابات بفيروس كورونا المستجد.
ويتناقض المشهد في سيول مع صورة الدول الأخرى؛ حيث تبدو المدن الكبرى مثل مدن الأشباح؛ فالحكومات تغلق الأبواب في وجه السكان، أو تفرض قيوداً صارمة على التجمعات والحركة.
ووفقاً لتقرير وكالة «بلومبرغ»؛ فقد واجهت كوريا الجنوبية العدو الذي أربك العالم بخطا ثابتة؛ فانزاحت عن قائمة الدول الأكثر تضرراً بفيروس كورونا؛ لتحول ترتيبها من الثانية عالمياً إلى واحدة من أقل الدول الآسيوية تسجيلاً لحالات الإصابة.
وجاء ذلك عندما أعلنت السلطات رصد 8 حالات إصابة بفيروس كورونا فقط، وهي المرة الأولى منذ شهرين تعلن فيها رقماً أحادياً لحالات الإصابة.
فكيف نجحت سيول، القريبة من الصين بؤرة الوباء، في تخطي أزمتها واستخلاص الدروس منها؟
وصلت كوريا الجنوبية إلى هذا الرقم بفضل استراتيجية استثنائية؛ فمن نقاط القوة التي استطاعت عبرها تسطيح منحى الوباء في البلاد، الاختبارات واسعة النطاق أينما وليت وجهك.
وقال كيم يون، أستاذ السياسة الصحية والإدارة في كلية الطب بجامعة سيول الوطنية: «قمنا بعمل جيد جداً في مجال الوقاية، وهو العثور على المرضى واتخاذ إجراءات الحجر الصحي، بفضل خبرتنا السابقة في تفشي فيروس سابق»، عام 2015 قتل فيه 38 كورياً.
كما اعتمدت سيول إجراء تتبع ومراقبة بشكل مكثف لأي شخص مصاب بالفيروس ومخالطيه، وذلك من خلال تتبع الأجهزة الخلوية والأرصدة البنكية وكاميرات المراقبة.
طرق ربما يراها البعض خرقاً للبيانات الشخصية وانتهاكاً للخصوصية، إلا أنها آتت أكلها، ونجحت في إعادة عجلة الحياة إلى طبيعتها.
ورغم هذه الإجراءات، انتهجت سيول طريقاً مختلفاً في الإغلاق؛ ففي وقت اختارت فيه الكثير من الحكومات حجر وعزل شعوبها بشكل كامل، توجهت كوريا الجنوبية إلى الإغلاق الجزئي، الذي شمل الأماكن العامة كالمدارس والكنائس والصالات الرياضية، بينما أبقت المصانع والمراكز العامة مفتوحة في وجه السكان.
نجاح كوريا الجنوبية في التصدي للوباء، تبين جلياً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي شهدت إقبالاً كبيراً تخطى 60 بالمئة، كما يكمن في التقييم الإيجابي داخلياً وعالمياً للاستجابة، وإدارة الأزمة في البلد الذي كان البؤرة الثانية لكورونا أواخر فبراير الماضي.
ورغم مباركة الحكومة تخفيف الإجراءات؛ فإنها تحذر من رفعها بالكامل إلا بعد إسدال الستار بشكل نهائي على الأزمة.
وقال نائب وزير الصحة كيم غانغليب: «لا يمكننا أن نترك حذرنا حتى الآن؛ حيث لاتزال هناك احتمالية لارتفاع معدل الإصابة، نعتقد أننا بحاجة إلى مواصلة الابتعاد الاجتماعي وعدم تخفيفه».
وأضاف كيم، إن حكومة كوريا الجنوبية وضعت مبادئ للعودة إلى «الوضع الطبيعي الجديد»، بما في ذلك تعديل إجراءات الحجر الصحي وتدابير التباعد الاجتماعية.