بدونهن لن تكتمل الخدمات الطبية، ولن تقدم بشكل كامل لمرضى الوباء العالمي فيروس كورونا المستجد، فهن يقمن بأدوار لا تقل أهمية عن الأطباء، اخترن طواعية أن يقفن على خط المواجهة كجنود في الجيش الأبيض، يحاربن سوياً العدو المجهول صامدات محتسبات ما يقدمنه لوجه الله سبحانه وتعالى، يعاملن المرضى كذويهم، يبكين لحظات توديع أحدهم ويفرحن بل يطلقون الزغاريد وقت تماثل أحدهم للشفاء، هن 7 ممرضات في مستشفى العزل ببلطيم في محافظة كفر الشيخ.
مواقف صعبة
لم تمنعهن نظرة الناس من أداء واجبهن الوطني، ولن يثنيهن رفض بعض أسرهن من الذهاب ومواجهة الفيروس، فطيلة الـ14 يوماً هي المدة التى قضينها، تغيرت حياتهن تماماً، وشعرن عقب خروجهن من المستشفى بالرغبة في العودة والتطوع بين صفوف الجيش الأبيض مرة أخرى.
الممرضة آية البلاح، تصف حالها وقت انضمامها للفريق الطبي: «كنت قلقانة بس مش عاوزة أظهر قلقي، وبرغم عدم موافقة الأسرة إلا أن تلبية واجبي الوطني كان أهم، ولما رحت بلطيم حسيت برهبة، بس الدكاترة كانوا بيطمنونا، الأهم إني اكتسبت خبرات كبيرة وتغلبت على خوفي، واعتبرت أن علامات الماسكات الجراحية على وجهي دي علامة النصر والفخر».
أما الممرضة نورا شعبان، تقول: «أول لما عرفنا طبعاً كان الخوف مسيطر علينا، عشان هنسيب أهالينا ونبعد عنهم لفترة ومكناش عارفين كان ممكن نرجع تاني إليهم، وأول يوم استقبلنا الحالات، كان أصعب يوم، عشان مكناش حاسبين لكل اللي هيحصل، وكنا خايفين من التعامل معاهم»، وعن شعورها تجاه التعامل مع مرضى الفيروس، مؤكدة أن شعورها بتلبية واجبها الوطني كان دافعاً لأن تتغلب على خوفها: «كل حاجة راحت لما حسيت أني بعمل مهمة عظيمة، تركت أهلي وكل حاجة ورايا ورحت متطوعة مُلبية للنداء».
وعن أصعب لحظاتها، تروى نورا قائلة: «كانت أصعب لحظة لما كنت بشوف حالات بتموت، بحس أن المتوفى من أهلي، طبعاً هما أهلنا فعلاً كنا بنقضي معاهم وقتنا كله، وكذلك من ملابس الوقاية اللى نلبسها صعبة، وفكره أنك تفضل لابس حاجة أنت مش متعود عليها لمدة من 6 لـ 8 ساعات أو أكتر مش قادر تاخد نفسك، ولما تخلعها تلاقي وشك مدمر وعلامات مكانها، وكان من الصعب علينا أننا نستقبل زمايلنا الممرضين مُصابين، وهذا كان بيدينا شعور إننا ممكن نكون مكانهم، علشان كدة كنا بنشتغل أكتر وأكتر ونتحمل الضغط والمسئولية مع الدكاترة».
بصوت هادئ ملائكي تحكي ولاء علاء، وزميلتها سهام خلف، ممرضتان، تجربتهما مع الـ14 يوماً داخل المستشفى: «تغلبنا على مخاوفنا، وبدأنا شغلنا متسلحين بثقة في ربنا أنه هينجينا ومعانا الحالات، كان عندنا أمل إننا ننتصر ونقهر الفيروس اللعين، ولسة الأمل موجود، وحبينا الشغل جداً مع الحالات وعمرنا ما اشتكينا من الشغل أبداً ولا تعبنا، بالعكس كنا بنبقا مبسوطين جداً أن المرضى بيدعوا لينا، كانت دعواتهم أهم سلاح في معركتنا، وكان تقديم الدعم النفسي ليهم مهمتنا مع الأطباء، طمأنتهم والطبطبة عليهم، كانت بتحسسنا أننا أولادهم».
الالتزام بالتعليمات وارتداء الواقيات وتنفيذ مايقوله الأطباء، من قياس العلامات الحيوية والضغط والسكر وغيرها، وإعطاء الأدوية للمرضى في مواعيدها، كلها أدوار كانت الممرضتان تلتزمان بها: «التزامنا بالتعليمات دا أهم حاجة، وكنا بنتبع كل الاحتياطات الوقائيةعند التعامل مع المرضى لمنع انتقال العدوى، وتدربنا على كيفية التعامل مع المرضى وحماية أنفسنا، ونتمنى أن نكرر التجربة مرة أخرى».
هؤلاء لم يكن وحدهن من بين جدران مستشفى العزل ببلطيم، بل تواجدت شروق شعيشع، وهبة حتاتة، لتأدية واجبهن الوطني: «أول ماطلبونا متأخرناش، ولما تعاملنا مع الحالات حبيناهم وهما حبونا، وكنا بنتعامل على أساس أنهم أهالينا مش بس مجرد مرضى واحنا بنقضي خدمة وخلاص، وفي أوقات كانت بتبقي صعبة علينا لما نتعامل مع ناس ونتعود عليهم ويموتوا، كانت تقريباً دي بتبقى أصعب لحظه علينا، ونفذنا كل التعليمات لحمايتنا من الإصابة بكورونا، ما جعلنا أكثر قدرة على التعامل مع النزلاء بدون خوف، كنا بنلبس البدلة الواقية والكمامة والقفازات والكزلك قبل التعامل معهم، ولو جتلنا فرصة هنكمل تطوع».
«كانوا خير سند لينا بجد في وقت الشغل واللي اتشرفنا بالشغل معاهم جداً، كانوا حقيقي من أحسن الدكاترة، كانت أحسن حاجة بتمر علينا لما كنا نعرف أن فيه حالات تحولت من إيجابي لسلبي، ونشوف فرحة الناس في عنيهم»، بهذه العبارة تختتم الممرضة سارة الجندي، حديث زملائها قائلة: «لما خرجنا بعد الـ14 يوما، حقيقي افتقدنا الشغل مع الحالات جداً، وافتقدنا وجودنا جنبهم واللي كنا بنعتبرهم أهلنا فى الفتره دي، ونفسنا الوباء ده ينتهي».